- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

من بيروت إلى دمشق مع أطيب التمنيات

طانيوس دعيبس
عند التدقيق في الموقف اللبناني من الحدث السوري ( الأصح الحديث عن المواقف اللبنانية المتعددة والمتضاربة ) تظهر هشاشة مثيرة للإرتياب .. وإن ليس للإرتياب ، فللخوف من استفحالها ..
لا نتكلم هنا عن الموقف المبدئي المؤيد للتغيير في سوريا ، ولا عن الموقف المبدئي هو الآخر الذي يستهوله ..
الكلام يدور على التعبيرات السياسية التي تطغى على مواقف القوى في السلطة وفي خارجها ، على أنها تعبيرات تفتقد الجدية في التعامل مع هذا الحدث ، يتحكم بها الإنفعال، وتكتفي بالمتابعة السلبية ، والمواكبة الإعلامية ، والإنتظار القاتل للنتائج ..
البداية مع النأي بالنفس ، الموقف الرسمي للحكومة . هذا الموقف هو نتاج توازن إقليمي ودولي يتحكم بوجهة القراراللبناني، وتوازن داخلي يخيف اختلاله الجميع من دون استثناء.. هو إذن قسري.. والدليل الأبرز على قسريته هو أنه موقف رسمي لا يعبّر عن الموقف الفعلي للأكثرية الحكومية التي تذهب تعبيراتها نحو الإدانة اليومية للمعارضة السورية، ولا يعبر عن موقف وزراء الحزب التقدمي الإشتراكي الذي يذهب موقفه نحو الإدانة اليومية للحكم السوري . فيما التعبير عنه الذي يقتصر على رئيسي الجمهورية والحكومة يبدو وكأنه أعلان تجميلي يحاول ترويج بضاعة كاسدة.. النأي بالنفس، إذن، سياسة معلنة، من دون فعالية تذكر على مستوى الممارسة . ولا تؤدي بالتالي، كما هو مفترض، إلى إبعاد نار الحدث السوري عن إشعال فتائل الداخل السياسي اللبناني..

لا تنأى الأقليتان السياسيتان في لبنان بنفسيهما عن الحدث السوري ( فعلياً، لا توجد اكثرية حاكمة ). بالعكس، تزداد مواقفهما إلتصاقاً بهذا الحدث. لا بل أن البناء عليه، يبدو وكأنه يحتل الأولوية في خطط مجموع القوى السياسية اللبنانية. ويظهر، حتى الآن، أن الجميع موافق ضمناً على سياسة التجميد والمراوحة، بانتظار انقشاع الرؤية عن الإتجاهات التي ستسلكها التطورات في سوريا. إلا أن التوظيف الحاصل، خلال هذا الإنتظار قد يؤدي إلى حساب بيدر مختلف عن حساب الحقل. ويجوز التقدير هنا انه مقابل سياسة النأي بالنفس تسود سياسة تحضير النفس.
أبرز مظاهر التحضير الأسبوع الفائت تمثل بالتحوّل في المواقف حيال ما يسمى بطاولة الحوار. بدأ ذلك مع الحديث الذي أطلقه حزب الله عن ضرورة البحث في استراتيجية تحرير وليس استراتيجية دفاع. الأمر الذي اعتبرته قيادات 14 أذار خروجاّ عن التوافق السابق فقررت تعليق مشاركتها في اجتماع الطاولة المقبل. هذا في الظاهر. أما في محاولة التفسير، فالأرجح ان الطرفين في صدد البحث عن تموضعات تفاوضية جديدة بالترابط مع تطورات الحدث السوري، التي دخلت مرحلة الحسم وطريق اللاعودة.
المؤشرات هنا، كما المعلومات المتداولة أصلاً، تفيد بأن حزب الله سيجد صعوبة في ترك التفاوض الداخلي في لبنان خاضعاً لمؤثرات التغيير في سوريا. والحديث عن التحرير بدل الدفاع هو، في هذه الحال، رسالة إلى الخصم الداخلي، مفادها أن التفاوض لن يكون من موقع ضعف أياً كان التعديل الحاصل في موازين القوى على الجانب السوري. وفي الإتجاه نفسه أتى الرد من الخصم، ومفاده أن الظروف لم تعد مؤاتية لحزب الله ليفرض شروطه على التفاوض. أنه تحضير النفس بانتظار وبالترابط مع مآل تطورات الحدث السوري.

القراءة الواقعية تفرض على حزب الله رؤية التغيير الكبير الحاصل في المنطقة وفي سوريا، بمعزل عن القراءات الذاتية التي تسقط الرغبات على الواقع بدل إبعادها عن التفكّر. والقراءة الواقعية تفرض على قوى 14 أذار رؤية حقيقة أن موازين القوى الداخلية في لبنان تدعوها إلى التقليل من توقعاتها بشأن تعديلها بواسطة الحدث السوري.
القراءة الواقعية للأزمة اللبنانية تفترض حواراً لا يستند إلى موازين القوى أساساً، والخارجية بالأخص. لكننا لسنا بعد في هذا الوارد. سنبقى في انتظار الحدث السوري. وسنتخندق كما نجيد ذلك دائماً. وسندخل في الحائط رؤؤسنا إلى الأمام…