- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

التحرّر النسوي على إيقاع شرقي

إميلي حصروتي
في ظل الالتصاق اليومي بشاشة التلفزيون والكومبيوتر والهاتف الذكي، باتت القيم العربية والأدوار التقليدية للرجل والمرأة، داخل العائلة والمجتمع، متغيّرة ومتطوّرة. فعلى الصعيد النسائي مثلاً، هناك موجة تحرّر واضحة لدى السيدات، نراها في ممارساتهن وخياراتهن اليومية، وفي استنادهن إلى مكتسباتهن العلمية والحياتية للفعل وردّ الفعل، وبتخلّيهن عن الدور التقليدي الذي منحهن إياه المجتمع.
إنه التحرّر النسوي كما لم نشهده من قبل في مجتمعاتنا، و لكنه الشرق أيضاً. هنا، كلما زاد تحرّر المرأة كلما اتسع سجنها، إذ أن متطلبات البيئة الشرقية تختلف عن غيرها. فهي الى جانب تمسكها بمهنتها، ستهتم بأبنائها وبيتها وستسهر على علاقتها بمن تحب، بالإضافة الى نشاطاتها الترفيهية والإجتماعية. وبالتالي على قدر ما سيزيدها التحرّر ثقة، على قدر ما سيصبح خوفها من الفشل كبيراً، وعلى قدر ما يتكاثر سعيها للرضى عن نفسها وعن أدائها، على قدر ما سيتعاظم إنهاكها الجسدي والنفسي.
أما في العلاقات مع الجنس الآخر، غالباً ما تصطدم السيدة المتحرّرة بتفكير ذكوري شرقي جارح، يميل الى الإعتقاد أن تحرّرها من التقاليد التي تنظّم علاقات النساء والرجال، شكلاً ومضموناً، يجعل منها طريدة سهلة أو، في أسوأ الحالات، يجعل منها منحلّة إخلاقياً، تصلح لخوض تجربة و ليس للزواج. ولا بد أن يُسجّل لبعض الرجال ليونة وتفهّم كبيران لتفكير شريكتهن ومتطلبات عملها، أو حين ينبرون للدفاع عن أفكارها وأسلوب عيشها أمام الحلقة الضيقة من الأهل أو الأصدقاء المستهجنين. والأهم أن تحرّر المرأة وأثره على علاقتها بالرجل، لا يقف عند عتبة المنزل، بل قد يمتدّ الى السرير، حيث أنها لن تتوانى عن طلب المتعة لنفسها، وتبني أساليب جديدة للاستمتاع بحياتها الجنسية، وقد يدخل الموضوع في حيّز حرج، لا تخرج منه العلاقة بسلام، إلا بفضل انفتاح الرجل واحترامه  وحبه لشريكته.
في سياق متصل، يبدو الحديث في المواضيع الجريئة أو الحساسة، حيث التزمّت والتستر صفتان متلازمتان، من أخطر ما قد يصادف السيدة المتحرّرة في يومياتها، فهي ستكون في بحث دائم عن كلمات تعبّر فيها عن أفكارها من دون تورية ولكن من دون الخروج عن المقبول. ولا شك أنها رياضة فكرية ممتازة، لكنها ممارسة متعبة منهكة، وهناك حتماً من سيقلب شفته من الدهشة أو الصدمة.
شخصياً، أعتقد أنني سيدة متحرّرة وسعيدة الى حد ما، لكني لا أنكر أنني أحياناً أحسد صديقتي التي لم تركب قطار التحرّر وتزوجت في سن مبكر وهي اليوم أم مكتملة الرضى لأربعة أطفال، بيتها الجميل تفوح منه رائحة الطعام الشهي والنظافة، بينما اضطررت أنا لشراء قميص جديد هذا الصباح بسبب ضيق الوقت وعدم تفرغي للكيّ والغسيل. وربما لانهماكي بالتحضير لمشروع دار رعاية للحوامل العازبات.