بينما يلتقي قادة العالم ليحددوا معالم الطريق المستقبلي للعالن، يجتمع في العاصمة الفرنسية هذه الايام، 27 مِمَن يمكن اعتبارهم جنود الدبلوماسية الدولية المجهولين»، أي اولئك الذين يعدون موائد الرؤساء ورؤساء الوزارات والملوك حول العالم في ما يعرف بـ Club des chefs des chefs «نادي كبار طهاة كبار الطهاة» للتفاكر وتبادل الوصفات الجديدة.
لكن هؤلاء يتحاورون إيضا، وبالضرورة، حول «إيتيكيت» المآدب الرسمية في أروقة الحكم العليا. ومنبع «الضرورة» هنا هو إصرار هؤلاء الطهاة على أن فنون الطبخ الراقي في قصور السلطة تؤدي دورا في الدبلوماسية العالمية لا يقل أهمية عما تؤديه وزارات الخارجية ورحلات المبعوثين الخاصين إلى المناطق الساخنة في مختلف أنحاء الدنيا.
والتسمية الفرنسية لهذا المنتدى الغذائي، الذي بدأ في برلين الأسبوع الماضي وانتقل الآن الى العاصمة الفرنسية، مهمة لأنها تنطوي على مضامين كبيرة. وهذا لأن كلمة chef «شيف» مزدوجة المعني: فهي تشير الى كبير الطهاة في سياقها العادي، وأيضا- في سياقها السياسي- إلى الزعيم القائد، رئيسا كان أو غيره.
وقد تأسس هذا «النادي» قبل 35 سنة على يد «الشيف» الفرنسي جيل براغار، الذي كشف لوسائل الإعلام الدولية، امسية الثلاثاء قبيل حفلة على شرف المنتدى استضافها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بقصر الإليزيه، أسرارا قد تستدعي التعجب أو الابتسام أو التهكم.
ومن هذه الأسرار أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يزال حريصا على عادة ارتبطت بملوك القرون الوسطى، وهي أنه لا يتناول طعاما الا إذا أكل منه أولا موظف مخصص لهذه المهمة (وللكرملين عدد منهم) فلا يموت بالسم في حال أن أعداءه دسّوه له.
أما الرئيس الفرنسي نفسه فهو السادس في سلسلة من سادة الإليزيه ظل الشيف برنار فوسيون يقدم لهم أطايب المطبخ الفرنسي الراقي على مدى السنوات الأربعين الماضية. وتحدث هذا الأخير عنه وعن سلفه، فقال إن نيكولا ساركوزي، الذي كان مهووسا باللياقة الجسدية ولا يتعاطى الكحول مطلقا ويتعذّب في مقاومته إغراء الشوكولاتة «حظر سائر أنواع الجبن من القصر الرئاسي قائلا إنها ثقيلة على معدته».
ونقلت عنه «تليغراف» البريطانية قوله بفرح واضح: «ما أن تسلم هولاند مفاتيح الدار حتى عاد الجبن معه. ومن الأنباء الحسنة أيضا أن ضيفة الإليزيه المعتادة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، تعشق الجبن أيضا. لكن هولاند حظر من جهته أيضا دخول الخرشوف (الأرضي شوكي) مطابخ القصر».
وهناك أيضا الشيف السويسري أنتون موزيمان، صاحب مدرسة الطبخ الشهيرة التي تحمل اسمه والذي يعد أبرز الطهاة في تاريخ 10 داونينغ ستريت. ويقول هذا العَلَم إن مارغريت ثاتشر أرادت ذات مرة «وجبة خاصة» على شرف ضيفها الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران. فاستجاب لهذا بإعداد طبق «منيف» من لحم العجل وفطر الموريل. ويقول إن ثاتشر تحدثت اليه- بعد سنوات- عن ذلك الطبق فقالت إنه كان «رائعا لكنه كان أيضا مكلّفاً مالياً فوق اللازم»!
ويذكر موزيمان أن الرئيس الأميركي جورج بوش خلال زيارة الى بريطانيا كان – على غرار بوتين – لا يتناول طعاما إلا بعد أن يتذوقه اثنان من عملاء «إف بي اي» (مكتب التحقيقات الفيدرالي) المرافقين له في زمرة فريقه الأمني.
وبين حضور قمة باريس الحالية كريستيتا كامفورد، طاهية البيت الأبيض في رئاسات بيل كلينتون ومن بعده بوش الابن والآن باراك اوباما ومؤلفة كتاب في فنون المطبخ بالاشتراك مع ميشيل اوباما.
وقالت التقارير الصحافية إنها رفضت الحديث عما يُشاع من كره اوباما للشمندر الأحمر، مكتفية فقط بالقول إنه وعقيلته «من عشاق الفواكه والخضروات». لكن جيل براغار يكشف أن هيلاري كلينتون- عندما كانت السيدة الأولى- طردت فرنسيا كان كبير طهاة البيت الأبيض لأن وجباته كانت «دسمة أكثر مما يجب».
ويمضي هذا الرجل ليشدد على أهمية المطبخ على الساحة الدبلوماسية الدولية، فيستشهد بأن تاليران، الاستراتيجي الفرنسي الشهير بأنه مبتدع المآدب الرسمية، قال لنابليون: «اعطني كبير طهاة ممتازا آتيك بأفضل الاتفاقيات الدولية».
ويقول براغار: «يظل رأيي هو أنه أينما فرّقت السياسة الزعماء، وحّدهم المطبخ». ويضيف قوله إن «شيف المطبخ» يتمتع بميزة لا تتاح لمخدّمه «شيف الدولة» وهي أن «الزعماء يأتون ويذهبون، لكن الطهاة يبقون بغض النظر عن اتجاه الرياح السياسية».