- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

نعم لدولة «كوردية» لا لدولة علوية

نقطة على السطر
بسّام الطيارة
… ولا لدولة سنية ولا لدولة شيعية ولا لكانتون ماروني… واستطراداً لا لدولة يهودية.
قفزت المسألة الكردية إلى واجهة الأحداث بسبب انهيار أو ضعف النظام الأمني السوري. وفي الأمس القريب قفزت مسألة كردستان العراق بعد انهيار نظام صدام حسين. في الأمس البعيد عندما انهار نظام الشاه على يد الثورة الخمينية عادت المسألة الكردية إلى الواجهة. وفي عودة إلى الوراء ومنذ انهيار نظام الخلافة في تركيا احتلت المسألة الكردية حيزاً مهماً في هواجس السياسيين الأتراك.
«كوردستان» وهو مصطلح يعود إلى عهد السلاجقة أي الأراضي التي يعيش فيها أكراد منذ بدء التاريخ والتي شهدت ولادة حضارتهم ولغتهم وطقوسهم، ينقسم إلى خمسة اجزاء رئيسية تمتد في تركيا وإيران والعراق وسوريا وجنوب أرمينيا. وهذه «الأمة الكوردية» تملك كل مكونات «الدولة» ما عدا الاعتراف بها ورفع الحواجز التي تقطع مفاصلها، لأسباب اقتصادية أو شوفينية قومية (عربية وفارسية وتركية وحتى أرمنية).
الأسباب الاقتصادية موجودة ولا أحد يبحث بها خوفاً من تأجيج الحس القومي «الكوردي». ولكن الأكراد مثلهم مثل كل القوميات ليسوا بحاجة لـ«ولاعة اقتصادية» لإشعال حسهم القومي. فاللغة والعادات والتاريخ تتكفل بذلك.
النفط والغاز موجودان وتنتشر حقول النفط على معظم الأرض الكردية  منها حقول كركوك (العراق) أو منطقة شاه آباد (إيران) وحقول باطمان (تركيا) وأخيراً حقول ديريك المالكية (سوريا)، وهي من أسباب مأساة هذا الشعب تماماً كما كانت قناة السويس مأساة مصر في القرن التاسع عشر.
هذه الأرض غنية بالزراعة وفيها الماء الوفير (دجلة والفرات والزاب والخابور)، وهي أسباب كافية بنظر كافة الحكومات المتعاقبة على الحكم في الدول الأربع الأساسية التي تتواجد بها الأقليات الكردية لقمع هذا الشعب.
نقول أقليات ولكنها أقليات مكثفة فالأكراد يشكلون نسبة ٢٠ في المئة من سكان تركيا (١٦ مليون نسمة) و١٥ في المئة من سكان إيران (١١ مليون نسمة) و٢٠ في المئة من سكان العراق (٦ مليون نسمة) و٥ في المئة من سكان سوريا (٢،١ مليون نسمة) إلى جانب أكثر من ٣ مليون موزعين حول العالم. نعم حوالي الـ ٤٠ مليون نسمة !
تركيا سحقت ثورات الأكراد وكانت ثورة سعيد بيران رداً على محاولة «تتريكهم» من قبل «كمال أتاتورك» وأدت إلى مقتل مئات الألوف في مطلع القرن الماضي. وتسببت ثورة حزب العمال الكردستاني بتدمير ما يزيد عن ٣٠٠٠ قرية وتشريد نصف مليون كوردي من قراهم وحتى اليوم استعمال اللغة الكردية مسموح «جزئياً» (منذ ١٩٩١). والنائبة الكردية الوحيدة «ليلى زانا» زجت في السجن ١٥ سنة بتهمة «إطلاق تصريحات إنفصالية»… في البرلمان.
في إيران رفض الإمام خميني مشاركة الأكراد في صياغة الدستور الجديد عام ١٩٧٩، ومنذ عام ٢٠٠٥ نار الثورة كامنة تحد الرماد في المناطق الكردية بعد قتل الناشط «شوان قدري»، ما أدى إلى انطلاق حزب مسلح تحت تسمية «حزب الحياة الكردستاني» متهم بقتل ما يزيد عن مئة شرطي إيراني.

ولكن… ما لنا ولسياسات الدول الأخرى. نحن كعرب لماذا نعادي ٤٠ مليون «كوردي» ؟
يقول قائل «الأكراد يتعاملون مع إسرائيل».
نحن العرب نرفض لهذا الشعب «الجار» الحرية وتقرير المصير ولا نريده أن يبحث عن دعم خارجي. نثور (مع العراقيين) لأن «الملا مصطفى برزاني» مد يده لطلب العون الإسرائيلي للمساعدة على قيام «كيان منفصل» والابتعاد عن حكم «صدام حسين». ولكن ألم يصفق العراقيون (ونحن معهم) على سقوط ديكتاتورية صدام؟ ألم تدفع «شوفينية القومية العربية» الأكراد إلى حضن إسرائيل؟
ثم لماذا نرفض للأكراد ما نطالب به للفلسطينيين؟ هل نسينا أن «الكوردي» صلاح الدين حرر القدس؟ أم أننا نريد «مصادرة التاريخ» وكتابته على ذوق شوفينيتنا العربية؟ … كما تفعل إسرائيل.
أليس الأفضل لنا مساعدة شعب كبير (٤٠ مليون) جار لنا ليكون حراً وسندا لنا من أن يكون متربصاً بنا خلف حدودنا ونحن نتطلع إلى فلسطين؟ ألم نتعلم من إرتيريا أو من جنوب السودان وغيرها؟ بخلنا على هذه الشعوب بما نطلبه لنفسنا فكانت النتيجة أن علم إسرائيل يرفرف في عواصم هذه الدول.
إذا نعم لدولة «كوردية» ولا لدول طائفية.
الشعب الكردي مثل الشعب العربي فيه أغلبية مسلمة ومثل الشعب العربي فيه المذهب السني والشيعي وكان له دور مؤثر وكبير في كتابة التاريح الإسلامي. ولكنه مثل الشعب العربي في أفراد يتبعون أديان أخرى مثل الأيزيدية والمسيحية واليهودية والعلوية. لماذا لا نكذب الملا مصطفى البرزاني الذي قال «لا أصدقاء حقيقيين للأكراد»؟ لماذا لا يصبح العرب أفضل أصدقاء هذا الشعب الكبير، ونسحب سجادة التعامل مع الأكراد من تحت أقدم إسرائيل ويعطي مصداقية لمطلب فلسطين بدولة لا تقوم على الديانات ولكن تقوم على التاريخ والمصالح المتبادلة؟ الأفضل لنا عدم معاكسة مسار التاريخ.