معمر عطوي
أصبح مشهد الجثث المُتراكمة على شاشات التلفزة حالة مألوفة للعديد من المشاهدين الذين يتابعون قنوات جهويّة دخلت المعركة الإعلامية لخدمة الأهداف السياسية، وبات السباق على نقل صور الأشلاء والدماء والجرحى ديدن وسائل الإعلام المرئية التي استعاضت عن نقل كل ما هو جميل بكل ما هو قبيح.
هذا حال معسكرات الإعلام المُنتشرة على مساحة الوطن العربي، حيث تصطف كل مجموعة في جهة، مجنّدة كل طواقمها البشرية ومعداتها التقنية وأرصدتها المالية في سبيل معركة شبه متكافئة في دنائتها واستخدامها لكرامة الإنسان وحرمة جسده.
وكما هو واقع الآيديولوجيا الذي يعكس مضمون الآية القرآنية “كل حزب بما لديهم فرحون”، أصبح الفرح الآن بما تمتلكه كل وسيلة اعلامية من أشرطة تصوّر الدماء والأشلاء والجث المتراكمة لمواجهة الوسائل الاعلامية المُضادة في معركة اثبات الوجود لشخص أو لحزب حاكم أو لسلطة مستبدة بكل ما اوتو من كذب وخداع وتلفيق.
في جانب من المعركة هناك قنوات الجزيرة والعربية والحرة والإخبارية والسي أن أن والبي بي سي ومعظم وسائل اعلام الخليج العربي والعالم الغربي الداعم لـ “ديموقراطيات” المشيخات التي أصبحت نموذج التغيير نحو الديموقراطية في نظر الدول الكبرى اليوم.
في المقابل هناك الدنيا وسورية والمنار والعالم وبعض محطات العراق وجهات “الممانعة” العربية، تحشد كل ما لديها للرد على معسكر “المعتدلين الذين يعملون وفق برنامج غربي لتفكيك وحدة الأمة وتحطيم جبروت الدول الرافضة للهيمنة الأميركية الغربية في المنطقة”.
محطات تتحدث عن المقاومة والدفاع عنها ولا تأبه لغاية المقاومة التي هي حرية الانسان وكرامته، فتقفز فوق الهدف متمسكة بالوسيلة، مُدّعية أنها تدافع عن مشروع تحرير فلسطين ومواجهة المشاريع الغربية، فيما تمعن الأنظمة التي تقف وراءها في القتل والتشريد من أجل بقاء الشخص في منصبه ولو على كومة من الجماجم وأنهار الدماء.
المشروع الآول لا يتمتع بقيمة أخلاقية زائدة عن المشروع الثاني، وكلاهما يستخدم الإنسان وسيلة لتسجيل هدف في مرمى الآخر، فتظهر الصور المأساوية على شاشات التلفزة بما يشبه الفعل السادي الذي يتغطى بدموع التماسيح على ضحايا هم وقود مؤامرة ليس لهم فيها ناقة ولا جمل.
دول خليجية تقمع الانسان وتحرم البعض من أبسط حقوقه لأسباب مذهبية أو عنصريّة، ويتربع مشايخها على قلوب شعوبهم، متنعمين بنفطهم وخيراتهم، ولا يجدون الاستبداد الا في دمشق التي وقفت ضد مشاريعهم، لذلك “حان قطاف رؤوس” قد أينعت في هذا المُعسكر الذي يمتد من الشام الى موسكو مروراً ببكين وطهران.
معسكران متنافسان يتغذيان من دماء الشعوب المقهورة المسلوبة كرامتها المخفية في أقبية الحاكم الظالم. ووسائل اعلامية تخدم مشاريع هذين المُعسكرين بكل ما أوتيت من دناءة وبشاعة وانحطاط.
هي جثث متراكمة تغطي الجزء الأوسع من الشاشة، ولا من يعير القيمون عليها ومن خلفهم من رجال استخبارات اهتماماً الى وجود أطفال أمام الشاشة الصغيرة قد يصابون بهستيريا الموت والرعب، ولا من يعير اهتماماً لدماء شهداء أبرياء تحولت أشلائهم الى أوراق نقدية على موائد القمار بين معسكرين يفتقدان لأبسط القيم الأخلاقية.