- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

صلاحية تشكيلات 14 و8 أذار وتحولات المرحلة الإنتقالية..

طانيوس دعيبس

يدخل لبنان السياسي مرحلة تبدو وكأنها من معالم المراحل الإنتقالية الجديدة. ولبنان محكوم – إلى أن يقضي التغيير أمراً كان مرغوبا – بالمرور من مرحلة انتقالية إلى أخرى.
تبدو البلاد على مشارف الخروج من مرحلة 2005 ( الإنقسام العمودي بين تشكيلي أذار )، للدخول في مرحلة ثورات الربيع. والحدث السوري هو، طبعاً، الأكثر تأثيراً على لبنان في عملية الإنتقال هذه.
لا يحدث الإنتقال بشكل تلقائي ولا سريع بطبيعة الحال. لكن دلائله آخذة بالظهور تدريجياً. كانت بدأت باكراً داخل تشكيل 14 أذار. واليوم، وعلى طريقة “شهد شاهد من أهله”، نقرأ كلاماً منقولاً عن الرئيس نبيه بري يقول فيه إن الأكثرية في لبنان لم تعد موجودة، وإنها أصبحت “مقاطعات”.
كيف يمكن ان يترجم هذا الكلام سياسياً ؟
قد يكون في جانب منه، ناتجاً عن صراع مواقع ونفوذ بين “المقاطعات” التي تتشكل منها الحكومة، وأحد مظاهرها مسخرة الكهرباء.
وقد يكون في جانب آخر، تعبيراً عن الإحساس بضعف غير مسبوق للسلطة التنفيذية، يجعلها عاجزة عن التعامل بفعالية مع الأزمات التي تواجهها. الأمر الذي يدفع العاقلين إلى النأي بالنفس عن نتائجها السياسية السلبية.
وقد يكون في جانب ثالث، مؤشراً إلى عملية إعادة تموضع، تظهر دلالاتها في العديد من المواقف، وتفرضها التطورات الكبيرة في لبنان وحوله، وعلى رأسها تطورات الحدث السوري.
وقد يكون كل ذلك مجتمعاً. إلا أن الترجمة تبقى ناقصة إذا لم يتم تعديل التوصيف: الدولة مقاطعات وليس الأكثرية. فهذه الأخيرة لم تكن يوماً، ولم تدّع أصلاً، أنها كتلة متناسقة. وهي في كل حال، بدأت تتحوّل إلى أقلية منذ اندلاع الأحداث في سوريا. تقابلها أقلية كبرى ثانية. ويفصل بينهما وسط محكوم بأن يكون أكثريتين، واحدة تؤمن استمرار وجود الحكومة، وأخرى تؤمن استمرار عجزها عن الحكم الفاقد لشروطه الموضوعية. لا نتحدث فقط هنا عن تمايز الحزب الإشتراكي،بل أيضاً عن تكرر بوادر التمايز في خطاب وأداء رئيس الجمهورية ( التعليق على انفجار مقر القيادة القومية في دمشق، كلمة إفطار بعبدا، خطاب عيد الجيش…). بالإضافة إلى القدرة التي تزداد محدودية لدى رئيس الحكومة على إيجاد توافقات مشتركة بين الأطراف الهجينة المكونة لحكومته، بفعل تصاعد حدة الأزمات ودنو أجل الإستحقاقات ( دراماتيكية الحدث السوري، انتخابات الربيع المقبل..). وأخيراً وليس آخراً، ظواهر التفكك داخل نواة 8 أذار التي يعبّر عنها خير تعبير الكلام الذي يصدر بشكل شبه يومي عن قياداتها ( آخره كلام عين التينة ).
العجز عن الحكم إذن هو الذي يطبع واقع السلطة اليوم. وهو ليس جديداً طبعاً. إنما تفاقمه الفاضح هو الجديد. ولا تنقص الدلائل، لا على طاولة مجلس الوزراء ( الكهرباء، داتا الإتصالات، التعيينات…)، ولا على طاولة الحوار ( اشتراطات انعقادها، الصراع الجديد بين استراتيجية الدفاع واستراتيجية التحرير..)، ولا داخل المجلس النيابي ( الموازنة…)، ولا خارج هذه المواقع ( الأمن المفقود، الأمن بالتراضي، إنتشار الخيم بعد الواليب، التعامل المربك مع مشكلة النازحين السوريين ( وترحيل بعضهم! ). ولا يمكن أن تغطي هذا العجز جهود ترقيع التعايش بين المكونات المتجمّعة في الحكومة. وهو يتم أصلاً بشق النفس، وبتخييط مفاوضات وتوافقات وصفقات تقطع النفس. وبنتائج زهيدة، لا يعرف أحد ما يمكن أن تكون انعكاساتها الإجتماعية والمالية وحتى السياسية ( بعض قيادات 8 أذار اعتبر أن أزمة مياومي الكهرباء عمل انتهازي انتخابي ).
العجز مظاهره تتجاوز أصلاً هذه اليوميات. هو يتبدى في انحدار الممارسة السياسية إلى مستوى متدن من تحمّل المسؤولية، وفي قلة احترام الشأن العام والمصلحة العامة، وفي استباحة مصالح الناس… إنها مظاهر تفكك سياسي أخذ يصيب بنيات مرحلة ما بعد التحوّل الكبير في العام 2005. وقد لا يصبح الإعتراف بانتهاء صلاحية تشكيلات 14 و8 أّّذار واقعاً قبل انتخابات الربيع المقبل، إذا حصلت. لكن الإنقسامات الداخلية اللبنانية التي تكوّنت خلال هذه المرحلة، على قاعدة مشاريع معقودة ناصيتها على الخارج وتوازناته، باتت على قاب قوسين أو أدنى من فقدان ناصيتها، أي مبرر تشكّلها واستمرارها. فمن غير الطبيعي والمنطقي توقّع بقاء المشهد الداخلي اللبناني على حاله، حين يكون سنده الخارجي في حالة تغيير جذري.
التمايزات التي نشهد بوادرها اليوم هي بنت هذه العملية. وهي جزء بسيط ظاهر لمخاض عسير قد يكون ممراً إجبارياً للبنان بمفاعيل الحدث السوري. والمأمول أن لا تصح توقعات الخائفين من أن يكون الممر نفقاً طويلاً..