- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

ميشال سماحة

طانيوس دعيبس
شكّل اعتقال النائب والوزير السابق ميشال سماحة الحدث السياسي في لبنان. وليس إقرار الحكومة لقانون الإنتخابات. علماً انه في الحياة السياسية الطبيعية، يفترض أن يحصل العكس. سنعود إلى القانون طبعاً، لأن قضيته كبيرة الأهمية من دون شك، حتى ولو صحت الملاحظة الأولى. لكن لإعتقال سماحة دلائل وإشارات لا بد من التوقف عندها. أقله للمشاركة في التفكير على صوت عال.
اولاً، لقد طال الإعتقال شخصية سياسية حاضرة في الحياة العامة بكثافة، معروفة بارتباطها بالحكم في سوريا، وبعلاقتها المتينة مع الأكثرية الحكومية الموجودة في السلطة في لبنان. وهذه سابقة، إذا استثنينا النائب يحيى شمص الذي رفعت الحصانة عنه بقرار من اللواء غازي كنعان أيام الوصاية وأدخل السجن، وأيضاً، نسبياً وبأقل درجة طبعاً، العميد فايز كرم الذي أخرج من السجن بفعل اختلال توازنات المرحلة الإنتقالية.
ثانياً، اعتقل سماحة بتهمة أمنية. وقد وصفها رئيس الجمهورية، وفق زواره، بأنها ” قضية أمنية كبيرة وخطيرة ” ، تاكيداً على طبيعة التهمة. وهي صورة لا تتناسق مع صورة السياسي والمحلل والمحاجج والممسك بالملفات والمفكك لطلاسم المؤامرات التي تحاك لسوريا وللبنان والمشغول بالقراءة والتمحيص في ما تنشره مراكز الأبحاث وتحليلات الصحافة العالمية. تلك الصورة كانت تملأ حضوره السياسي بما لايدع مجالاً للإعتقاد بإمكانية وجود صورة أمنية رديفة أو مموهة للرجل. وهذا الأمر ينطبق عليه عندما كان لا يزال في قيادة حزب الكتائب خلال الحرب الأهلية، مشكلاً إلى جانب كريم بقرادوني، وربما غيرهما، زاوية سياسية، بعيدة عن الميليشيا، ومنفتحة على الأطراف الخصمة. والسؤال البديهي بعد هذا التوصيف هو : ما الذي حصل حتى تنقلب الصورة رأسا على عقب ؟ بالأكيد، يجب عدم استباق التحقيق. فإذا تبين أن الصورة الأمنية ملفقة، ينتهي التساؤل ويبدأ آخر يتعلق بالمفبركين في تلك الحالة. اما الآن، فالسؤال قائم. تبعاً للتحقيق، ولما نقل عن رئيس الجمهورية، ولما ينقل عن ردود فعل الذين كان الرجل حليفهم على أنها أقرب إلى رفع العتب. إذن، ما الذي حصل ؟ هل ضاقت السبل بالأمن العادي، بالأدوات الأمنية الطبيعية، حتى يتم توريط الوجوه السياسية ؟ والسؤال البديهي الآخر هنا هو : هل أن قلة الإحتراف هي التي أودت بميشال سماحة ؟ أم أن الصورة الظاهرة كانت للتمويه ؟ أم ان الوضع الذي كان يسمح بحرية الحركة في الداخل اللبناني تغير ؟ في كل حال، إذا صحت المعلومات المتعلقة بقضية التوقيف، بشأن المتفجرات ومواقع الإستهداف في الشمال، وارتباط كل ذلك بتدبير سوري، فإن الإستنتاج لا يعود مركزاً على شخص المعتقل، على أهميته في ما يتعلق بوظيفة السياسة حين تكون طفيلية. ذلك أن الإستنتاج الأهم يصبح عن حالة المدبرين، ووضعيتهم التي تدفعهم إلى اعتماد التضحية بهذا النوع من المواقع المعتمدة لديهم.
ثالثاً، لا يمكن فصل عملية الإعتقال عن الظروف التي أحاطت بها وعن توقيتها. التحقيقات تشير إلى الشمال، الأرض الخصبة لزراعة الفتن والأرض المفتوحة على العلاقة مع الداخل السوري. فهل يعني ذلك أن الخطط تستهدف تحقيق مصلحة ما لذلك الداخل ؟ أي أن الإجابة عن السؤال التقليدي ” من المستفيد ؟ ” تعود إلى تأمين مصلحة سورية داخل سوريا من خلال تفكيك وضع الشمال اللبناني ؟ أم انها تعود إلى الداخل اللبناني تحديداً ؟ بمعنى أن المستهدف هو الوضع اللبناني برمته من خلال الشمال، وليس وضع الداخل السوري المرتبط بالحدود الشمالية اللبنانية ؟ وهما أمران لا يتشابهان، ولكل منهما مقاربة مختلفة.
رابعاً، يحصل ذلك في ظل تطورات دراماتيكية في سوريا. في ظل ما يشبه الحرب في الداخل السوري. وفي ظل محاولات يائسة للبنان كي ينأى بنفسه عن تأثيرات هذا التحوّل الكبير. اعتقال النائب والوزير السابق ميشال سماحة مؤشر كثير الوضوح على صعوبة نجاح هذه السياسة.