- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

المهاجرون نحو الشمال: ضحايا الغرق والاغتصاب

معمر عطوي
ليست أمراً طارئاً على القارة السمراء مواسم الهجرة إلى الشمال، ولا هي بالظاهرة الجديدة محاولات الهروب من الفقر والجفاف والقحط أو من الإضطهاد السياسي والديني أو من الحروب في دول «الأطراف» النامية إلى دول «المركز» الصناعية المُتقدّمة التي تبقى بحاجة إلى أيدٍ عاملة رخيصة بين وقت وآخر، وإلى بشر يعوّضون النقص الحاد في مستوى الولادات لدى الغربيّين.
ما من شك أن ظاهرة الهجرة الإفريقية نحو أوروبا قديمة، لكنها تصاعدت خلال الأشهر الأخيرة مع اندلاع ثورتين في شمال أفريقيا الأولى في تونس والثانية في ليبيا، ما خلق مناخات من الفوضى التي زادت من نسبة عمليات الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا. سيما أن البلدين المذكورين هما من أقرب الدول الى حدود القارة العجوز.
فمدينة قليبية هي أقرب مدينة تونسية لإيطاليا لا تفصلها عن جزيرة صقلية سوى 60 كيلومتراً، بينما تبعد جزيرة لامبيدوزا الإيطالية قرابة 150 كيلومتراً عن الساحل التونسي ونحو 250 كيلومتراً عن السواحل الليبية.

ويبدو موضوع الهجرة سلاحاً فتاكاً في أيدي السلطة الديكتاتورية السابقة التي حكمت ليبيا، فهذه السلطة التي وقّعت اتفاقات لتقنين الهجرة وضبطها مع دول أوروبية خصوصاً إيطاليا، عادت لتهدّد باستخدام هذه الورقة في وجه الغرب على لسان الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، الذي حذّر في بداية الانتفاضة على حكمه من إغراق أوروبا بالمهاجرين، إذا ما دعمت الثورة التي انتصرت عليه لاحقاً. وربط القذافي في بدايات انتفاضة شباط بين تنامي الهجرة وبين انتشار الإرهاب.
لهذا كان تصريح مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، انطونيو غوتيريس، خلال الأزمة الليبية العام الماضي يصب في هذا السياق، حين قال «هناك عناصر تجعلنا نفكر أن على الأقل بعض الأطراف المتورطة فيما يحدث اليوم في الأجزاء الغربية (يقصد نظام القذافي انذاك) من ليبيا ربما تحاول استخدام سلاح إجبار الناس على الاتجاه إلى أوروبا».

إنها الحرب من جديد، تسبّب بؤساً لعشرات الآلاف، والحرب ليست أمراً جديداً على المشهد الإفريقي المشحون بالحروب والصراعات الأهلية. لقد أجبرت الفوضى في ليبيا والتحولات السياسية الطارئة في تونس عشرات الآلاف من الأشخاص على الفرار براً أو بحراً، اضافة الى أعداد كبيرة من بلدان الوسط الأفريقي الذين استغلّوا فرصة حدوث ثغرات حدودية في تونس وليبيا للتسلل إلى مالطا أو إيطاليا غير آبهين بمصيرهم الحالك.

لقد تجاوز عدد الأشخاص الذين وصلوا إلى جزر إيطالية منذ اندلاع الاضطرابات في شمال إفريقيا، عشرات الالاف، حسبما ذكرت منظمة الهجرة الدولية.
لكن المشهد التراجيدي الذي يحيط بمواسم الهجرة نحو الشمال، هو حالات الغرق العديدة التي يتعرّض لها المهاجرون. فقد حاول الكثير منهم عبور البحر المتوسط للوصول إلى إيطاليا في قوارب غير آمنة ولقي المئات حتفهم أثناء ذلك.

منذ بداية الحرب في ليبيا، فر من البلاد أكثر من مليون مدني بينهم قرابة 600 ألف مهاجر غير ليبي من أكثر من 26 جنسية، وتوجهوا في غالبيتهم إلى تونس ومصر والجزائر وتشاد والنيجر والسودان، في حين سلك بعضهم طريق البحر الى مالطا وايطاليا.
أما أبرز الإجراءات التي حاولت من خلالها دول أوروبية الحد من الهجرة فكان الاتفاق بين الحكومة الايطالية والمجلس الوطني الانتقالي الممثل للمعارضة الليبية خلال شهور الثورة على نظام القذافي، في حزيران عام 2011، على تبادل المعلومات بشأن الهجرة غير الشرعية وشبكات الجريمة المنظمة التي تشجعها إلى جانب التعاون بشأن إعادة المهاجرين إلى بلدانهم. كذلك وقعت إيطاليا وتونس اتفاقية تقضي بترحيل من يصلون من المهاجرين بعد الخامس من نيسان 2011، الى بلادهم، بينما تمنح تصاريح إقامة مؤقتة ووثائق هوية للآخرين.
وللتذكير فقد كان هناك قبل بدء عمليات حلف الأطلسي اتفاق بين طرابلس وروما تستقبل بموجبه ليبيا المهاجرين الذين يتم إعادتهم من ايطاليا.
واقع الهجرة الصعب من ليبيا دفع منظمة «مراسلون بلا حدود» الى إصدار تقرير حول اللاجئين العام الماضي اعتبرتهم فيه «الضحايا المنسيون للنزاع» الذين تحكم عليهم سياسات الهجرة الأوروبية «بالبقاء في مأزق يزيد من عذابهم».
يورد التقرير أمثلة محددة جداً وشهادات للاجئين تعرضوا للنهب والاغتصاب وشهدوا عمليات قتل في مخيم تونسي للاجئين أو في مراكز في ايطاليا. ما يشير الى عمق هذه المآساة الانسانية التي تجعل موسم الهجرة الى الشمال من أصعب المواسم التي تطرق ضمير الإنسانية.