معمر عطوي
فاجأت قضية إعتقال الوزير اللبناني الأسبق ميشال سماحة، الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية في لبنان على حد سواء، في وقت بدا فيه النظام السوري في مرحلة من التخبّط وانعدام الوزن بما يشبه الجرذ المجروح.
المفاجأة كانت في طبيعة الاتهام، إذ أن تهمة تطال سياسي بوزن وزير سابق ونائب سابق بنقل متفجرات بسيارته الخاصة من سوريا الى لبنان وبايعازمن قيادات استخبارية سورية على صلة مباشرة بالرئيس بشار الأسد، والعمل على افتعال فتنة طائفية، ليست بالأمر المُعتاد، في بلد يعرف فيه السياسيون كيف يغطّون جرائمهم وفسادهم.
لكن إذا صحّت المعلومات بعد الانتهاء من التحقيقات وثبتت التهمة على المُتهم، فإن ذلك إشارة خطيرة على تطور الأحداث في سوريا إلى مرحلة لم يعد معها النظام في وضع مُريح.
إلاّ أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما مصلحة ميشال سماحة، في القيام بدور «عسكري تخريبي» يتجاوز دوره السياسي في إطلاق القذائق الصاروخية الكلامية عبر شاشات التلفزة، دفاعاً – كما كان يدّعي- عن مشروع المقاومة والمُمانعة. مع العلم أن سليل المدرسة الكتائبية، التي عانى جزء كبير من اللبنانيين من ظلمها وهيمنتها على الدولة ودوائرها قبل الحرب الأهلية، ومن ممارساتها الإجرامية خلال الحرب، قد عرف كيف ينقل البندقية من الكتف اليمين الى الكتف اليسار وعرف كيف يوظّف إطلالاته الإعلامية في الدفاع عن سوريا وظلم نظامها لشعبها على طريقة إقناع الجمهور بأن اللبن أسود وليس أبيضاً.
ثمة سؤال آخر: هل يمكن أن يكون سماحة قد تعرّض لضغوط أصدقائه من رجال الاستخبارات السورية لنقل المُتفجرات الى لبنان والعمل على تنفيذ مُخطط فتنة بين الشيعة والسنة والمسلمين والمسيحيين، كما توارد الى صفحات الجرائد ومواقع الانترنت؟.
وهل انعدمت وسائل الاتصال مع عملاء وناشطين مؤيدين للنظام السوري في لبنان – وما أكثرهم- حتى تُناط المُهمة برجل سياسة.
اسئلة عديدة مشروع طرحها مع ترك الاجابة لاستنتاجات القارئ أو إنتهاء جلسات التحقيق وانقشاع الرؤية بشكل أفضل.
في أي حال، مسألة زرع متفجرات والسير بمُخطط اغتيالات لرجال دين وسياسيين يؤدي الى تفجير خلافات طائفية دموية، ليست سوى محطة من محطات القطار الذي يسير في هذا الاتجاه اليوم. بل لعل المحطات التي سبقته لا تقل خطورة عن تصوير مجموعة من المُتفجرات أمام التلفاز، أوتصوير اقتحام أماكن سكنية بشكل مخالف لأخلاقيات وأصول التعاطي مع حُرمات المنازل.
ربما كانت المحطات التي مرّ بها قطار الفتنة في لبنان قد ساعدت على أن تصل الأمور الى مرحلة توظيف النظام السوري رجل سياسي لتحريك البركان الذي كلما كاد أن يهتزأتى من يرش الماء عليه لتبريده. بيد أن هذه المحطات بما تمثله من تصريحات دينية وسياسية تصب جميعها في بث الكراهية بين الناس وتعمّق الشروخات المذهبية، وتتعامل مع الآخر في الوطن الواحد كعدو أكثر خطورة من الصهيونية نفسها، هي الكارثة بعينها.
فلماذا لا يراقب كل من فرع المعلومات واستخبارات الجيش والأمن العام، ما تبثه مُكبّرات الصوت في حلقات الدروس الدينية في المساجد وفي الاحتفالات الدينية والمناسبات الحزبية الطائفية من سموم أكثر تأثيراً في الواقع من متفجرة هنا أو رصاصة في صدر شخصية سياسية أو دينية هناك. كل هذا الجو المحموم يؤسس لشريط دموي بامتياز، ولا فرق بين صوت وصورة أو قول وفعل في هذه القضية. الأمر الأهم هو أن النظام السوري يبدو متخبطاً في مراحله الأخيرة كأنه جرز مُحاصر يهاجم كل من حوله بشراسة.