- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

منطق «غوار الطوشة»

نقطة على السطر

بسّام الطيارة

المشهد العربي اللآني يذكّر إلى حد كبير بأحد مشاهد مسرحيات الراحل محمد الماغوط، إبان شراكته مع دريد لحّام وشخصية غوار الشهيرة.
تذكروا.
يسأل أحدهم غوار أين المكان الفلاني؟ فيوجهه غوار مشيراً بيده ويعطيه تفاصيل طوبوغرافية (على اليسار ثم بعد كذا متر على اليمين) ثم يسأله ما إذا كان يعرف بيت فلان، فتنفرج أسارير السائل لأنه يعرف فلان ويعرف كيف يتوجه إليه ويعتبر أنه «وصل»…ولكن في هذه اللحظة يقول له غوار «بجدية»: أه  ولكنه ليس هناك المكان الذي تسأل عنه ويستدير بسرعة في الاتجاه المعاكس ويقول له «ببساطة» ٢٠ متراً من هنا!
قرارات منظمة التعاون الإسلامي تذكر بـ «رمزية منطق غوار».
ليس دفاعاً عن النظام السوري الذي تسبب ب«تعليق عضوية سوريا» ولا عن بشار الأسد ولا عن ما تفتق به الامين العام للمنظمة أكمل الدين إحسان اوغلو الذي حمل تصريحه كلاماً آتياً من المريخ، فهو «لم ير انه يوجد دعم كبير لتدخل عسكري خارجي» في سوريا، إذاً على الأمين العام شراء «نظارات واقعية سياسية».
رمزية “منطق غوار”، هو حقيقة منطق تعامل الحكام العرب مع شعوبهم  (وبدأت العدوى تنتقل لحكام الدول الإسلامية من غير العرب). يشيرون لهم إلى فلسطين ولكنهم يقولون لهم في اللحظة الأخيرة ما معناه «ولكن العمل سوف يكون في سوريا».
يتكلمون ويشرحون فلسطين ومأساة فلسطين ثم يتوجهون إلى مسائل معاكسة. بالأمس كان حلف بغداد ثم حرب اليمن ثم الأوبيك. تكلموا عن فلسطين والـ«لاءات الثلاث» ثم صمتوا عند اجتياح لبنان. أضيفت الأراضي العربية المحتلة على المسألة الفلسطينية فتكلموا عن الصراع العربي الاسرائيلي ثم توجهوا نحوا حرب الخليج الأولى.
تكلموا وشرحوا سبيل الوصول إلى حل يقود إلى دولة فلسطينية، فمروا في أوسلو والاعتراف باسرائيل ثم انتقلوا إلى فتح باب احتلال العراق.
لم يتكلموا مرة عن فلسطين ولا عن حقوق العرب والمسلمين بحجة «الإرهاب». عادوا للحديث عن فلسطين ولكن هذه المرة توجهوا لمحاربة حماس وحصار غزة «المحررة». أشاروا إلى فلسطين والمستوطنات وكأنها «مسألة Sudoku» للحل في عطلة الصيف، ثم توجهوا لمواجهة «الخطر الإيراني».
رأوا في ما يسمى “الربيع العربي” الحل الشافي لكل مصائب العرب وصولاً إلى بر تحرير فلسطين ولكنهم فضلوا التوجه نحو مرافئ السلفية.
وأمس في مكة، في هذا الشهر الفضيل، كان عنوان الاجتماع سوريا وإيجاد حل لانتقال سلمي للسلطة في عقر دار من يدعم الثوار(لا تلتفتوا إلى ما يقوله أمين عام المنظمة) . لا بأس كلنا مع الثوار وكلنا نرى أنه حان لنظام حكم سوريا ٤٢ سنة بيد من حديد أن يذهب. كلنا نفضل أن يسقط من دون أن يهدر دم سوري.
ولكن ما يثير الريبة هو “منطق غوار”.
لماذا اليوم حلفاء أميركا يعيدون تكرار السوابق، فالبيان يقول في بنده الأول :«يؤكد المؤتمر على أن قضية فلسطين هي القضية المركزية للأمة الإسلامية، وعليه فان إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية المحتلة منذ عام 1967م بما فيها القدس الشرقية والجولان السوري واستكمال الانسحاب الإسرائيلي من باقي الأراضي اللبنانية المحتلة»، بشكل مقبلات (أو شوربة بما أننا في شهر الصيام)  قبل أن ينتقل إلى طبق سوريا الدسم.
لماذا معاملة الشعوب العربية كما يعامل «غوار الطوشة» سائله. لماذا لا يقول المؤتمرون «نحن هنا حتى نرى في أمر التخلص من النظام السوري (ونقطة على السطر)»؟
لماذا إقحام مسألة فلسطين والجميع يعرف أن الحديث المعسول عن فلسطين هو للسماح لأميركا بضرب بلد عربي، قبل أن يعود الجميع وينسى مسألة فلسطين.
تريدون كعرب ومسلمين إنقاذ أخوانكم العرب والمسلمين في سوريا، فلا تفعلوا مثل «غوار الطوشة». تحدّثوا مباشرة أن مصلحة العرب والمسلمين هي في التخلص من بشار كما تراها أكثرية المجتمعين، ولا تشيروا إلى فلسطين والجميع يعرف أنكم سوف تلتفتون في اللحظة الأخيرة نحو ما يهمكم وليس نحو فلسطين التي تنتظر منذ ١٩٤٨.
“منطق غوار” أضحكنا وأوجد من يضحكنا بألم.