أثبتت الأحداث التي شهدها لبنان أخيراً، مدى البُعد العشائري الذي يستغرق فيه سكان هذا البلد (واجهة العالم العربي وبوابته على المتوسط وأوروبا، كما تقول كتب الجغرافيا).
فما قامت به عشيرة آل المقداد من خطف لمواطنين سوريين أبرياء -على الأرجح- وتصريحات مثيرة للجدل حول جناح عسكري للعائلة ومكتب سياسي وناطق اعلامي، يؤكد أن لبنان لا يزال أسيراً للذهنية العشائرية، ما يجعل طرح إقامة مجلس عشائري لبناني على طريقة “لويا جيرغا” أفغانستان، فكرة مناسبة كبديل عن مؤسسات الدولة وبرلمانها.
ومن الواضح أن الذهنية العشائرية ليست حكراً على عائلة أو طائفة معينة، إذ إن ممارسة العشائرية بصورها السلبية، هي موضوع لبناني بامتياز، ويا ليتهم يقتبسون من العشائرية النخوة والشهامة والرجولة والكرم وحفظ المستجير من الرمضاء، بدلاً من ممارسة الأمور السلبية في البداوة.
فمن خلال نظرة سريعة على واقع الأحزاب اللبنانية وتركيبتها، نجد تغلغل هذه الذهنية السيئة، إن كان لجهة التوجه المذهبي أو الطائفي أو لجهة تمترس أصنام على رؤوس قيادات التيارات السياسية وفق مقولة “قائد الى الأبد”، أو لجهة عدم التوصل الى تحديد مفهوم المواطنة والتي تجلت أكثر في النقاشات حول قانون انتخابي عصري لم يخرج في الاخير إلا على قياس أشخاص وطوائف في النهاية.
لعله هذا اللبنان صيغة استثنائية في المنظومة الكونية، ديموقراطية توافقية وقانون نسبي لا وجود له في القوانين الدستورية العالمية، بمعنى تطويعه ليتلائم مع الطغمة الحاكمة والمعارضة على حد سواء، بما يؤكد الحفاظ على مستوى من تقاسم الجبنة بين أفرقاء 8 و14 آذار على حساب القوى المُهمّشة واليسارية والليبرالية التي تؤمن بمجتمع مدني عصري عابر للطوائف والتكتلات المافياوية السائدة.
لماذا يحتاج اللبنانيون الى مجلس تشريعي لا يمثل سوى الحمقى والمغفلين منهم، ولا يصل الى طموحات أي مواطن يحلم بدولة عصرية مدنية خارج لعبة تقاسم الحصص ودولة المذاهب؟ فليتفقوا على “لويا جيرغا” لبناني مكوّن من عشائر اجتماعية وسياسية وحزبية ودينية، أليس ذلك حلاً لهم شبيه بالتوافقية. ويزيل الخوف من قلوب فئة تخشى الأكثرية العددية، فلا تناسبها الديموقراطية، مع أن زعماءها يزايدون على بعضهم بحبهم للغرب والتغني بديموقراطيته!
بالتأكيد لن يكون الخلاف على رؤية هلال شهر رمضان ومن بعده شقيقه شوال سوى تفصيل صغير في نسيج التخلف الذي نعانيه، وبهذا الوضع الذي نعيشه، لا يمكننا الا معايدة اللبنانيين بعيد الفطر والقول: “عيد بأي حال عدت يا عيد”.
