- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

فتنة “الأيادي الداخلية”

زاوية حادّة

حسام كنفاني
ما شهدته القاهرة مساء الأحد الماضي كان مذبحة مكتملة الأوصاف. قتلى وجرحى في الشوارع، والفاعل كالعادة “مجهول”. هو ليس مجهولاً تماماً، بل معلوم وواضح، لكن هناك من يريده أن يبقى مجهولاً، وان يرمي تبعات الجريمة على “الأيدي الخفية” و”المندسين”. إنها الرواية نفسها تتكرر في مختلف البلدان العربية. وفي مصر ما بعد الثورة لا تزال الرواية نفسها، ولها مريدون ومؤيدون ومصدقون.
مساء الأحد كان كورنيش النيل على موعد مع تظاهرة سلمية تماماً، غير أنها فجأة تحولت إلى مجزرة راح ضحيتها 36 قتيلاً، وأوقعت مئات الجرحى. إلى الآن لم يخرج احد ليبلغ الشعب المصري بمن المسؤول عن الجريمة، لم يخرج أحد ليلقي بالاتهام على أحد معين. ما صدر هو التحذير من “أيادي خارجية تلعب باستقرار البلاد”. قد يكون هذا الأمر صحيحا، لكن ليست هذه الأيادي هي من أطلق النار على المتظاهرين، وليست هي من قادت سيارة الجيش والأمن المركزي لدهس المئات الذين كانوا منتشرين على كورنيش النيل. دهس لا يمكن نفيه، الصور التي بثتها الفضائيات ونشرتها وكالات الأنباء تظهر التشويه واضحاً على ملامح الضحايا الذين سقطوا تحت عجلات السيارات العسكرية.
الأيادي الخارجية قد تكون موجودة، لكن من المؤكد انها ليست من خرج على التلفزيونات الرسمية ليدعو الناس إلى النزول للشوارع للدفاع عن الجيش. دعوة فيها الكثير من التحريض على العنف والفتنة. من يدافع عن من؟ أليس من المفترض أن هذا الجيش هو المدافع عن الشعب والبلاد، أليست هذه هي الوظيفة التي من المفترض أن يقوم بها االعسكريون. وبغض النظر عن مثل هذا التساؤل، اليست الدعوة هي تحريض مباشر على العنف. تحريض صادر عن تلفزيون رسمي، لم يتعلم من الثورة انه إعلام دولة وليس إعلام نظام. بناء على مثل هذه الدعوة فإن أي بلطجي او مجرم من الممكن أن ينزل بسلاحه إلى الشارع لضرب وقتل كل من يقف في طريقه، فهو ذاهب إلى “مهمة قومية” للدفاع عن الجيش. أيضاً وأيضاً الدعوة فيها تحريض صريح وعلني للمسلمين على المسيحيين. وأيضاً الدعوة صادرة عن تلفزيون رسمي. من يدافع عن من وضد من؟ التظاهرة مسيحية، وبحسب التلفزيون فإن هؤلاء المتظاهرين هم من يتعدون على الجيش، وبالتالي فمن سيدافع عنه هو والطرف الآخر في الوطن، أي المسلمين. فتنة كاملة الأوصاف مغطاة بشعار مثالي هو “الدفاع عن الجيش”.
ومع ذلك يخرج من يتحدث ويؤكد على الأيادي الخارجية والدول المتربصة بمصر. لن نشكك في مثل هذا الأمر، لكن لا شك أن مواجهة “الأيادي الداخلية” أولى. والعنوان واضح لا لبس فيه. من اصدر الأمر بإطلاق النار، من أبلغ مذيعي التلفزيون أن من واجبهم تحريض الجماهير. كشف هذه المعطيات أولى لمستقبل وامن مصر بدل إلقاء التبعات على شمّاعة قد لا تكون موجودة.