طانيوس دعيبس
تحتار بين أن تضحك أو ان تبكي على ما وصلت إليه أحوال البلاد وعبادها في هذا اللبنان الغارق حتى أذنيه في تداعيات الحدث السوري.
التندر بقصة المجالس العسكرية للعشائر والعائلات يدور في عرض البلاد وطولها. أولاً، لأن أحداً لم يقتنع بوجود مثل هذه المجالس أصلاً. وثانياً، لأن بداهة الإنفلات الأمني، الذي تجسدّه هذه الحركات الفوضوية، لا تترك أي مجال للقناعة بحضور السلطة وفعاليتها، ولا بإعلان السلطة الفعلية في الضاحية الجنوبية عن أن ما يحصل هو خارج سيطرتها بالكامل.
التندر يتحوّل سوداوياً عندما ينتقل إلى بعل محسن وباب التبانة. الضحايا هنا يموتون ويصابون بأجسادهم وبمنازلهم وبلقمة عيشهم، فيما ضحايا الخطف في الحالة الاولى أصبح إسمهم “ضيوف” و”زوار”. ومع ذلك، يثير الضحك، القريب من السخرية في الحقيقة، أن يتفاجئ الجميع عندما تندلع الإشتباكات في تلك المنطقة، التي لا تتجاوز جغرافياً مساحة اليد، وتبقى عصية على كل الأجهزة الأمنية والقوى العسكرية في ردعها عن اقتناء السلاح وعن استخدامه.
الحالة السياسية في لبنان باتت تقارب المسخرة. ليس أن إدراك القوى السياسية لما يجري داخل لبنان وحوله ضعيف، فهي مدركة دون شك وعارفة كل المعرفة بمخاطر وبأبعاد وبمستلزمات ما يجري. المشكلة هي في انها بالرغم من معرفتها لذلك، تبدو عاجزة، أو غير راغبة، بالتصرف على أساس ما تعرف.
الجميع مدرك بان كل ما يحصل على المستويين الأمني والسياسي ليس عفوياً. لا عمليات الخطف، ولا اشتباكات طرابلس، ولا الإشتباكات السياسية داخل التحالف الواحد ( بري – ميقاتي على سبيل المثال ).
لقد دخل لبنان الحالة السورية بكل تفاصيل حياته ويومياته. إلا أنه يتصرف ( وهنا معنى المسخرة ) على أساس أنه ناء بنفسه عنها. فهل يعقل عدم وجود خلية أزمة لبنانية لمتابعة الحدث السوري وكيفية مواجهة انعكاساته على البلاد ؟ الحدود الشمالية للبنان مشتعلة.. النازحون السوريون بالآلاف.. حوادث الخطف وقطع الطرقات التي خربت البلد سياحياً واقتصادياً أكثر مما هو مخروب..حوادث طرابلس التي اعتبرها الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، ومعهما معظم القيادات السياسية، أنها نتاج وفعل الحدث السوري..وغيرها الكثير من المظاهر المأزومة.. أليست كافية لإعلان حالة طوارئ سياسية في لبنان؟
الجواب يبدو غير محسوم عند القوى صاحبة الحل والربط. بل أنه يبدو، في بعض الأحيان، وكأنها، هذه القوى، تنتظر بهدوء خراب البصرة. والإستنتاج المنطقي هو ان السياسة الفعلية الوحيدة المعتمدة والواضحة هي سياسة الإستسلام لمشيئة التحولات السورية، والتعامل مع مفاعيلها اللبنانية “بالقطعة”. قد يفسر ذلك تباعد مواعيد جلسات مجلس الوزراء. وقد يفسرّه الخطاب السياسي المتناقض لأطراف التحالف الحكومي. وقد يفسرّه تعامل رئيس الجمهورية مع الموقف اللبناني تجاه الموقف الرسمي السوري من لبنان بما يشبه التغريد وحيداً في غابة من الأصوات النشاز. إلا أنها كلها تفسيرات غير قادرة على تبرير هذا العجز المرعب عن التعامل بجدية مسؤولة مع حدث سوري أصبح، في لبنان، حدثاً لبنانياً بامتياز.
إنه عجز فاضح. ليس الإعلام مسؤولاً عنه بكل تأكيد. ولا بأس من تحويل الإعلام مكسر عصا، فهو تعوّد على ذلك منذ زمن طويل، وهو يستأهله بشكل من الأشكال. لكن تحميل الإعلام المسؤولية لا يمكنه، ولا بأية وسيلة، ان يخفي مسؤولية العاجزين السياسيين عن الواقع “المسخرة” الذي ظهر بصوره الجلية في الأسبوعين المنصرمين. الصور المسخرة التي ظهرت في الإعلام مسؤولية السياسة وليس الإعلام. فغياب الحضور السياسي للسلطة، وللسياسة عامة، في المساحة الواسعة، والمتزايدة اتساعاً، التي يحتلها الحدث السوري في لبنان، هو الذي يفسح المجال امام الراغبين على أنواعهم في استخدام هذه المساحة.
ولهذا الغياب مبرران : العجز والمراهنات. وقد يكون العجز نتيجة للمراهنات. الإنقسام والتمايز الحاد اللذان يطبعان واقع الأداء الرسمي، من رأس الهرم إلى كعبه، لا يسمحان بالتأكيد بالخروج من حالة العجز. ورهانات القوى المتواجهة على نتائج الحدث السوري، ستبقي الشارع فالتاً على غاربه.
تساءلت عن أسباب عدم وجود خلية أزمة ؟ ماذا عن حكومة إستثنائية للإنقاذ ؟ وإذا لم يكن هذا أوانها، فمتى يحين ؟