- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

زاهر العريضي في off line: الغوص في العالم الافتراضي

معمر عطوي
حين يدخل الشعر العالم الافتراضي ويتقمص شخصيته تصبح القصيدة ذات لون مختلف ونسق خارج عن السائد، لكنها تحافظ على تلك العلاقة التاريخية بين الكلمة والإحساس بها، بما يعني تطويع النص لملائمة الواقع، مع العلم ان الشعر قد يكون في نص افتراضي ولا يتمتع بمعايير الشعر التقليدية كما هو الحال مع زاهر العريضي في ديوانه “أوف لاين” الصادر عن دار أبعاد في بيروت.
هذا ما نلمسه في قصائد الشاعر الشاب في كتابه الجديد “offline” الذي حاول فيه التصالح مع عالم افتراضي فرض نفسه على المعمورة محوّلاً إياها الى قرية واحدة، وحتى يمكن أصبح لدينا هنا لغة واحدة ومصطلحات مشتركة.
في “أوف لاين” الذي يبدأ فيه العريضي رحلته مع التكنولوجيا الحديثة من الغلاف، الذي وضع عليه شارة log in  ثمة مساحات شبيهة بتلك المساحات التي نراها على شاشة الكمبيوتر في صفحات التواصل الاجتماعي، حيث الفقرات المنفصلة عن بعضها تتضمن أجزاءً من حوارات تدور عبر هذه الصفحات بجمل قصيرة وأشكال مؤثرة مثل الوجوه التي تحمل انفعالات متعددة ومتناقضة.
هو ينقل الينا جزءاً من عالمه وعالمنا الافتراضي الذي تحول الى قطعة من نسيجنا الزمني والمكاني والتواصلي.
في offline ثمة خواطر تحمل فلسفة خاصة تميز الكاتب في رؤيته للحياة وللسياسة وللحب وللعلاقات الاجتماعية.
يقول في قصيدة “تسالونيكي” “ليأت الموت… لتغضب السماء… نخب الجوع، انهمري مطراً… افعلي ما شئت أيتها الرياح صوتك الجنوني ينعش أعماقي… نخبك… بيروت من بعيد نحتويها، شتاء بطعم الحب… ها نحن هنا… بعد طول انتظار… نخب هذه الليلة بلا موعد… لتبوح النار بما تريد… زمجري أيتها الموقدة.. إحرقي سنوات الانتظار… شفاه من لهب… والجسد الأخرس يتمايل، آلهة الخصوبة تصلي للأشجار الصامدة، ترقص للريح ليأت البرق اليّ…”.
لعل زاهر العريضي أراد في مجموعته الثانية التي جاءت مختلفة من حيث الشكل عن مجموعته الأولى “رحيل في جسد”، أن “يدلّ ببنائه على صيغة الغد المجهول بما سيأتي وهذه محاولة تأكيد على استلهام الصورة كما ستكون وتصبح.. هو يخاف… كأن يكون واحدا من الخائفين وربما أكثرهم…”، على حد قول الشاعر نعيم تلحوق في تقديمه للديوان.
طبعاً لم يعد الشعر في عصرنا سوى عبارات نشعر بها ونخطّها بالشكل الذي نريد بعيداً عن معايير الخليل بن أحمد الفراهيدي، مؤسس علم العروض.
لكن هذا لا يعني أن هناك العديد من الشعراء أو من يعتبرون أنفسهم شعراء قد استغلّوا نمط التحرر من علم العروض ومعايير الشعر التفعيلي والعامودي ليكتبوا على هواهم، حتى بتنا لا نعرف قصيدة الشعر من قصيدة النثر أو حتى القطعة النثرية والخاطرة من القصيدة التي تتمتع بشروط الشعر كصنعة تاريخية مفعمة بالصور الجمالية والدلالات والبعد الفلسفي العميق.
لعلنا نجد في  نص العريضي ايقونات شعرية جميلة تحمل بعضاً من جماليات الكلام وصوره، لكنه وقع في بعض قصائده في مغالطة التمييز بين القصيدة والقصطعة النثرية. إلا أن الحس الصحافي الذي يتمتع به الشاعر العريضي قد أوعز إليه بأن يكون موضوعياً فلم يطلق على كتابه صفة ديوان شعر إنما هو “نص افتراضي” وهو بذلك أعطى مسافة بينه وبين النقد فأصبح حلاً من كونه هدفاً للباحثين عن معايير الشعر في الكتب الحديثة.
في اي حال يتميز نص العريضي بقضايا عديدة مثل الحب والحرب والحياة والله والفلسفة، هو نسيج من أفكار باحث عن نقطة ضوء في عتمة القلق بما يشبه الغوص في متاهات العالم الافتراضي.
يختصر الشاعر العريضي تعريف ديوانه بالقول: “إلى الذين لم يدخلوا في متاهات هذا العالم الافتراضي، لم أجد صيغةً لأشرح عنوان الكتاب “أوف لاين” لمن لم يحجز مكاناً له على الفيسبوك. انها محاولة لنقل ما هو داخل الشاشة إلى حيث أنتم، هنا مع رائحة الورق، تتلمّسون صفحاته وتبصرون معانيه”.