- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

١٠٢٧ بطلاً = جندي احتلال

نقطة على السطر
بسّام الطيارة
ألف وسبعة وعشرين مقابل أسير واحد. هذه هي المعادلة التي أفرزتها «صفقة شاليط» بين إسرائيل وحماس. ولكن ماذا تعني الأرقام أمام مشاعر أقارب وأهالي السجناء، ومن ضمنهم ناعوم شاليط. فالأم هي أم والأب هو أب والقلوب متشابه والعواطف الإنسانية لا تعرف حدوداً كما أن الدموع لها طعم مالح أيا كانت العين التي تزرفها.
لنقلها مرة واحدة بعيداً عن غوغائية الاتهامات الخاوية من أي منطق: شاليط ليس مذنباً بل المذنب من أرسله ليمثل الاحتلال في أراض محتلة ويفرض منطق القوة. كان ممكنناً لشاليط أن يقول لا مثله مثل بعض رافضي الخدمة العسكرية بسبب قناعاتهم والذين لا يتجاوز عددهم في إسرائيل أصابع خمسة أيادي مجتمعة سنوياً. هذا خياره ويمكن وضع هذا الخيار في خانة اللاوعي الجماعي.
أما هؤلاء الأسرى الذين يعودون إلى بيوتهم ليضموا إلى صدورهم أحباءهم، منهم أطفال باتوا شباباً وصبايا يدفعون أمامهم أحفاداً مجهولين ممن قضى في غياهب السجون سنين يتتبع أخبارهم. سوف يسمعون أخباراً عن هذا وذاك، سوف يعلمون أن فلاناً هاجر وآخر توفاه الله وغيبه القدر، وأمور الحياة اليومية التي باتت تعني الكثير لمن انقطع عن الحياة وهو حي. بعضهم سوف يكتشف أن أشجار الزيتون قد اقتلعت وأن حائطاً بات يفصل بينهم وبين حقوله.
هؤلاء الأسرى المفرج عنهم هم الرابحون. فقد أدوا قسطهم وهم يعلمون أنهم غير مظلومين. هم يفهمون أنهم قاموا بواجبهمو…أكثرهم مستعد، رغم الاتفاقات المبرمة، للعودة إلى الساحة، وخصوصاً حين يتابع على الخريطة تآكل أرضه وتراجع مساحتها، فيما كان مغيباً يقضي أيامه وراء القضبان.
ولكن ليعلم هؤلاء المفرج عنهم هو أن كل الدول «لديها في سجلها مقاومين»: توماس جيفرسن الأميركي قاوم الإنكليز عام ١٧٧٧، نيكولا برافو المكسيكي قاوم الاحتلال الاسباني  عام ١٨١٧، ليون تولستوي وصف بشكل رائع المقاومة الروسية أمام جحافل قوات نابليون، أما في فرنسا فيكفي فقط أن تذكر اسم هنري فيرناي أو جان مولان حتى تثير قشعريرة الفخر في أبدان الفرنسيين لمآثر هؤلاء في «مقاومة الاحتلال النازي الألماني».
المقاومة هي عصب وبذرة بناء الأمم.
لو سنحت الفرصة لهؤلاء الأسرى المفرج عنهم للتنزه في شوارع باريس مثلاً لرأوا مئات لا بل آلاف مربعات المرمر التي تقول «في هذا المكان سقط … ٢٢ عاماً دفاعاً عن حرية وطنه» أو هنا «قضى … ٥٣ عاماً دفاعا عن بلاده». هؤلاء مسارهم تجاوز مسار المفرج عنهم، إنهم أشداء المقاومة الفرنسية لهم وزارة خاصة بهم ويفخر كل فرنسي بأن بلده لديه أمام كل مدرسة لوحة رخامية تذكر أسماء الشهداء من أجل حرية وطنهم.
جلعاد شاليط، رغماً عنه، ورغم لطافة والدته ووالده، ورغم المشاعر التي يحركها لدى كل من ينظر إلى صورة شبابه، يشبه الذين أطلقوا النار على المقاومين الفرنسيين. احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية جعله في جانب المحتل النازي ليس رغماً عنه ولكن بإرادة حكوماته.
نعود إلى المعادلة لأن حلّها بسيط جداً: بالأمس توصلت حماس وإسرائيل لصفقة. هذه الصفقة تشير إلى أن للفلسطينيين ١٠٢٧  بطلاً مقاوماً وأن لإسرائيل جندي احتلال واحداً.