- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

أميركا المفجوعة مرتين

محمد بلوط

هل يمثل مقنل السفير الأميركي على يد القاعدة في بنغازي، منعطفا في الإستراتيجية الغربية نحو “الربيع العربي” , ونحو المعارضة السورية المسلحة ؟ على المدى المباشر والقصير, يقول مصدر دبلوماسي إن ما حدث في بنغازي سيؤدي إلى تعزيز الإتجاه الداعي إلى عدم تسليح المعارضة السورية ، دون ان يعني ذلك  الآطراف التي تفوم بتوزيع الأسلحة على المعارضين واقتصار المراجعة, اذا ما جرت فعلا، على الغربيين وحدهم دون القطريين او السعوديين، الذين يرعون الإتجاهات السلفية والإخوانية والجهادية الآسلامية .

ومن المبكر القول ما إذا كان ذلك سيملي مراجعة اعمق على المدى البعيد للدعم الغربي الذي يقتصر حتى الان على السلاح الخفيف ,وبعض اجهزة الإتصال والكثير من المعلومات عن تحركات الجيش السوري ,وتنسيق عمليات المعارضة المسلحة عبر غرفة عمليات اميركية بريطانية تركية مشتركة , بالقرب من الحدود السورية التركية .

رسميا, لم يستدع حتى الان  صعود المركب السلفي في الحركات الأسلامية كما برز في ليبيا, مراجعة علنية وجدية في دوائر وزارات الخارجية الأوروبية  عن انحراف الربيع العربي عن الأهداف التي  اوحى بها في بداياته, وفتحت الباب امام تطبيع العلاقات مع التيار الرسمي الآسلامي الاوسع المتمثل في الإخوان المسلمين. وقد لاحت بشائر تحذيرات لم تذهب بعيدا  في الفرز داخل المعارضات التي ينبغي محضها الدعم المطلوب, بين ما هو جهادي, وما هو ليبرالي. بعضها جاء في الامتناع الأميركي عن تقديم اسلحة للمعارضة السورية او اسلحة متقدمة خوفا من وقوعها في ايدي جهاديين. بيد ان الممانعة الأميركية لا تذهب  إلى حد املاء الموقف نفسه على تابعيه القطري والسعودي اللذين يسلحان دون حساب، جهاديين وغير جهاديين .

وبطريقة اوضح, في فرنسا  عبر  وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس خلال  مؤتمر اصدقاء سوريا في تموز الماضي عن مخاوف مماثلة لا تزال تملي على الفرنسيين سياسة محسوبة في ملف تسليح المعارضة .وقال فابيوس “ان المطلوب ليس ان يسقط النظام الأستبدادي ليحل محله نظام اصولي ” .

والارجح أن تعري الإختراق السلفي  والقاعدي من ردائه الاخواني, يطرح مشكلة على الجانب الغربي وحده من المعسكر الداعي إلى تسليح المعارضة السورية  دون  الجانب  السعودي والقطري بشكل خاص  ,وهو الجانب  الذي اخذ على عاتقه تسليحا غير محدود لكل القوى التي قاتلت القذافي, دون حسبان اخطارها على المصالح الغربية ، والفرنسية خصوصا في منطقة الساحل الأفريقي في مالي والنيجر والجنوب الجزائري ,وموريتانيا ،التي تحولت إلى قاعدة افغانية طالبانية في قلب الصحراء، وقيامها بغزو شمالي مالي واقامة امارة اسلامية فيها تحتجز 5 رهائن فرنسيين, بفضل تسرب الأسلحة الغربية المقدمة إلى الثورة الليبية, إلى كتائب القاعدة في المغرب الأسلامي.

والحال فإن مقتلة بنغازي, وسؤال هيلاري كلينتون المفجوعة مرتين, مرة بمأساة قتل السفيرالأميركي المروعة, ومرة بقتله في مدينة “ساهمنا بتحريرها “, يعبر عن الصدمة الكبيرة و قصر ذات اليد ،والعجز عن اجراء مراجعة حقيقية للإستراتيجية الوحيدة التي لا يملك الغربيون سواها حتى الآن. فالتوقيت الذي اختاره الجهاديون، اي عشية الأنتخابات الرئاسية الأميركية، لتحويل احتجاج على فيلم مسيء للنبي محمد، إلى جبهة مفتوحة ضد السفارات الأميركية في كل مكان, لا يتيح خيارات كبيرة للتعامل معه دون المخاطرة بزعزعة استقرار البلدان “الحليفة”, التي فتحت  سلفيوها النار على الدبلوماسية الآميركية.

وليس واضحا ما اذا كان تفعيل الحرب على الارهاب، على طريقة بوش ،سيكون احد خيارات الرئيس اوباما . وتقف الرئيس الآميركي امام خيارات صعبة في الرد عسكريا على قتل سفير اميركي على يد تنظيم ارهابي دون تعريض حملته الآنتخابية إلى مخاطر كبيرة والتورط في مغامرة عسكرية. و لايمكن التكهن منذ الآن بالأهداف التي تنطوي عليها اوامره بتوجيه مدمرتين من الأسطول السادس إلى السواخل الليبية اكثر من محاولة مباشرة وسريعة لإسترضاء الراي العام الأميركي الذي يرى في مأساة بنغازي صدمة 11 ايلول اخرى مصغرة . كما ان هجوما عسكريا في بلد حليف كليبيا قد يحولها إلى باكستان ثانية.

ومن غير المؤكد أن تتوصل السلطات الليبية, في ظل الإنقسامات  الحالية التي تسود اطرافها, إلى الأمساك بقتلة السفير الأميركي, وليس بوسعها  القيام بذلك دون المخاطرة بمواجهة غير محسوبة مع الفرع القاعدي الليبي. وهو  عجز بنيوي ينسحب على كل السلطات الخارجة من الربيع العربي، التي فشلت في ضبط شارعها “السلفي”, وحيث خرج السلفيون من عباءة الآخوان المسلمين في تونس او مصر او غيرها. ويضطر كل ذلك الرئيس اوباما الى خيار لا يحول الأنتخابات الأميركية المقبلة, إلى اقتراع على نتائج  سياسته في الربيع العربي. فرغم  دعمه العسكري والسياسي لبعض ثوراته في تونس وليبيا ومصر  وسوريا لم لم تفلح في احداث اي انقلاب في المزاج الشعبي العربي المعادي للولايات المتحدة،كما عبر عنه بعد مقتلة بنغازي، توالي الهجمات على السفارات الأميركية, والتظاهرات التي لا تبدي اي تعاطف مع مأساة هيلاري كلينتون وفجيعتها.