- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

تبادل الأسرى والكرامة المفقودة

معمر عطوي
بقطع النظر عن أهمية إطلاق 1027 أسير فلسطيني وأسيرة من معتقلات الإحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، وبالرغم من الفرحة العامرة التي ارتسمت على وجوه مئات الأمهات والزوجات والأزواج والأبناء، تبقى قضية تبادل الأسرى بين العرب وإسرائيل قضية كرامة مفقودة، حيث لا يزال الإنسان العربي مجرد رقم لا قيمة له في دنيا المساومات السياسية.
ليس الأمر تبخيساً لانجازات المقاومة الفلسطينية أو حركة حماس، ولا هو تقليل من نجاحات هذه المقاومة التي استطاعت أسر جندي إسرائيلي لمدة 5 سنوات من دون أن يتمكن العدو بكافة تجهيزاته العسكرية والأمنية وقدراته الاستخبارية وحروبه المُدمرة التي خاضها ضد قطاع غزة، من معرفة مكان أسر الجندي جلعاد شاليط.
بيد أن المؤلم في عمليات تبادل الأسرى التي حفل بها تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي على مدى عقود، هو قيمة الأسير العربي في إزاء الأسير الإسرائيلي، إذ نرى أن أسيراً واحداً هو مجرد فتى لا يفقه شيئاً في شؤون الدنيا وشجونها يعادل في قيمته بالنسبة لبني قومه مئات الشخصيات الفلسطينية التي تتمتع بمؤهلات وكفاءات عالية في مجالات العمل السياسي والإجتماعي والنضالي والأكاديمي. فإذا عدنا الى أرشيف عمليات التبادل على مستوى فلسطين ولبنان لعرفنا أن أكبر عملية تمت كانت في العام 1983، حين أطلقت سلطات الاحتلال نحو 4700 أسير فلسطيني ولبناني من معتقل أنصار في جنوب لبنان و65 أسير من معتقلات الداخل الفلسطيني مقابل اطلاق ستة جنود اسرائيليين فقط من قوة “ناحال” الخاصة، كانوا أسرى بأيدي عناصر المقاومة الفلسطينية. أما العملية الثانية من حيث الحجم فقد كانت في العام 1985 حين أطلقت الدولة العبرية 1150 أسير مقابل ثلاثة جنود للاحتلال كانوا أسرى بيد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة. وكان الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس لاحقاً والمناضل الياباني كوزو أكوموتو من بين الأسرى الذين أطلقتهم سلطات العدو في هذه العملية.
من الصعب مصادرة الفرحة التي عمت فلسطين المحتلة باطلاق هؤلاء الأسرى، ومن الصعب أيضاً تقديم خيار آخر يأخذ بعين الاعتبار كرامة الانسان العربي ووزنه أمام الإنسان الصهيوني، في عمليات التبادل التي تمنح الحرية لمئات المعتقلين.
ربما تحتاج القضية إعادة بناء منظومة علائقية تربوية ثقافية متكاملة تبدأ من المنزل لتصل الى أروقة السلطة السياسية. منظومة تعيد الاعتبار للإنسان وكرامته المفقودة في خضم العديد من الأزمات التي حولت المواطن العربي إلى مجرد رقم في قطيع.
وبغض النظر عن عدم التكافؤ الديموغرافي بيننا وبينهم، وقلة عددهم التي تجعلهم حريصين على حياة كل فرد من أفرادهم مهما قل شأنه، لا بد للأسير العربي أن يشعر أن وراءه من يطالب بحريته تماماً مثل ذاك الإسرائيلي الذي شغل الدنيا على مدى خمسة أعوام.
فمن المؤسف الإشارة هنا الى قصة تندر بها أحد المعتقلين المحررين من معتقل الخيام السابق في جنوب لبنان، يروي أن الأحاديث بين الأسرى اللبنانيين كانت تدور حول من يخرج بشريط حذاء جندي اسرائيلي ومن يخرج بأذن أو أنف أو قفا جثة جندي للعدو في أيدي المقاومين.
أليس من العار علينا ونحن نخوض معركة من أجل تحرير الأرض والإنسان، أن نسمع بإسم جلعاد شاليط كل يوم، ونراه يتحوّل الى أيقونة في الإعلام العالمي (رغم انه حمل السلاح لقتل أطفال فلسطين ولتكريس اغتصاب أرض ليست له ولا لبني قومه)، من دون أن نعرف ولو إسماً واحداً ممن شملتهم الصفقة من الأبطال الفلسطينيين الأسرى؟ ربما المسألة تحتاج الى ثورة حقيقية تحت عنوان “ربيع الإنسان العربي”.