- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الفيلم المسيء والجمهور السيئ

زاوية حادّة
حسام كنفاني
في ظل موجة «الشعب المسلم الغاضب» على الفيلم الأميركي السيئ والمسيء الذي يصور حياة النبي محمد، لا بد من التوقف عند مفارقة تحمل الكثير من الدلالات، إذ غالباً ما تكون الاحتجاجات مرتبطة حصراً بالصورة، سواء حين تم ذلك بعد نشر الصحيفة الدنماركية الرسوم الكاريكاتورية للنبي، أو حين أطلق المخرج الهولندي ثيو فان غوخ فيلمه «الخضوع»، الذي قتل على إثره، ثم مع ظهور فيلم «براءة المسلمين» على موقع «يوتيوب» الشهير، وبعد ذلك رسومات «شارلي هيبدو» الساخرة.
دائماً الصورة تكون هي المحرّك الأساس لغضب الشارع المسلم، لكن ماذا عن الكتابة؟ سؤال برسم هؤلاء الذين خرجوا غاضبين من الفيلم السخيف والركيك، الذي صوّر النبي دموياً وهمجيّاً ومهووساً بالنساء. فالمفارقة أن هذه الصورة متداولة، وعلى نطاق واسع في الكثير من الكتب، الحديثة والقديمة، التي تتناول السيرة النبوية أو الإسلام والمسلمين. كتب لا تزال إلى اليوم متوفرة في الأسواق العالمية والعربية. حتى أن التراث العربي القديم، والحديث هنا عن عهد الدولتين الأموية والعباسية، شهد تداول كتب لكبار المحدثين والمفكرين في ذلك العصر، التي تتناول السيرة النبوية والنبوة بالكثير من التشكيك والاسقاطات التاريخية على مرحلة من عمر الحضارة الإنسانية، وارتباطها بمراحل أخرى في محيطها القريب والبعيد.
ما كتبه معروف الرصافي في «الشخصية المحمديّة»، على سبيل المثال، لم يلق هذا القدر من الغضب من قبل «الجمهور الإسلامي»، رغم أن ما قدّم في الكتاب من معالجات لكل مراحل حياة النبي، أقوى بكثير من كل السخافة التي جاءت في فيلم «براءة المسلمين». وما ورد في نظريات الفارابي وأبو بكر الرازي وابو العلاء المعري، في التراث العربي القديم، يحوي على كثير من الجرأة الفلسفية في نقد الدين والنبوّة. ناهيك عن الكتب الغربية الكثيرة التي تولت الإضاءة على مراحل من حياة النبي، وترصدت لنسف الفكرة الإسلاميّة.
رغم ذلك، لم يلق كل ما كتب ردة الفعل الغاضبة التي أثارتها الرسوم أو الفيلم المسيء، فالكثير ممن خرجوا «نصرة للنبي» ربما لم يقرأوا، أو حتى يسمعوا، بمثل هذه الكتب أو النظريات، وحتى أن غالبيتهم ربما لم يتسن لهم مشاهدة مقاطع فيلم «براءة المسلمين» لرؤية مدى تفاهته إخراجياً وحوارياً وتمثيليّاً. ومع ذلك خرجوا لمجرّد أن أحدهم قال إن هناك فيلماً يتم التداول به على صفحات الانترنت يشوه صورة النبي.
لكن بعد كل ما شهدناه من تظاهرات وتكسير وحرق وسرقة وقتل، قد يكون السؤال من شوه صورة النبي والإسلام أكثر، الفيلم المسيء أم الجمهور السيء؟ الإجابة قد تكون في طرفة تم التداول بها على صفحات الانترنت. الطرفة تقول «اتهمونا بالإرهاب فقتلنا لهم سفيراً ونهبنا سفارات وأحرقنا مدارس ومطاعم، ليكفوا عن اتهام الناس بالباطل».