باريس – بسّام الطيارة
بعد غياب طويل، وبعد أن تغيرت الخريطة السياسية في فرنسا، خرجت مارين لوبن زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة من حلقة الصمت التي دخلتها بعد أن خسر نيكولا ساركوزي واليمين بشكل عام انتخبات الرئاسة. سبب خروج ابنة مؤسس الجبهة الوطنية هو بالطبع «الهرج والمرج» الذي استتبع الفيلم المسيء للإسلام خصوصاً نشر مجلة «شارلي هيبدو» لمجموعة كاريكاتور للنبي محمد استجلبت العاصفة إلى فرنسا حيث تقيم أكبر جالية مهاجرة مسلمة، وحيث الدين الإسلامي هو الثاني عددياً (حوالي الـ ٥ مليون فرنسي) بعد الكاثوليكية . وقد اختارت لوبن صحيفة لوموند لأول مقابلة لها في عدد ينشر اليوم الجمعة وهو اليوم المرهوب من السلطات التي منعت أي «مظاهرة وتجمع بعد الصلاة» وقررت إقفال قنصليات فرنسا في ٢٠ دولة حول العالم، وطلبت من رعاياها في عدد كبير من الدول «البقاء في المنازل».
لم تستطع مارين في جوابها على أول سؤال إلا أن تستهدف ساركوزي غريمها السابق وحزبه منافسها المحتمل لقيادة اليمين، فهي تعتبر أن مسألة كاريكاتور شارلي هيبدو هي مؤشر لـ«لعبة فرض قوة سياسية دينية من قبل السلفيين في فرنسا» وتابعت بأن «اليمين الساركوزي خسر هذه اللعبة»، ودعمت حرية الرأي والنشر من حيث المبدأ. وقالت إن «العلمانية هي قيمة لا تقبل أي جدل مثلها مثل الحرية» وتابعت بالقول «وإلا هيا بنا نعيد تجريم التجديف» ونوهت بأنها «ليست من مؤيدي شارلي هيبدو ولكن هذا من حيث المبدأ».
وعند تذكيرها بأنها «رفعت دعوى» على الصحيفة الساخرة أجابت «إن حدود حرية الرأي هو القدح والتشنيع والشتيمة».
واعتبرت رداً على سؤال بأن ردات الفعل على تدنيس المقابر تأتي بمعيارين «إذ أن ٩٥ في المئة من المقابر التي تدنس هي كاثوليكية ولا نقرأ أو نسمع سطراً واحداً في هذا الشأن، ولكن يكفي أن يدنس مربع في مقبرة إسلامية كي تقوم موجة استياء واستنكار».
وفي حال كانت مارين لوبن في الحكم فهي مستعدة لـ«طرد كافة السلفيين الأجانب من الأراضي الفرنسية» وشددت على أن الشرطة «تعرفهم جيداً»، واستطردت «يجب تطبيق قانون ١٩٠٥» حول العلمانية أي «لا تمويل بعد الآن للمساجد، بصورة مباشرة او غير مباشرة، ولا تمويل من الخارج بعد الآن. باستثناء الحالات المحددة في اتفاقيات المعاملة بالمثل» وأن على المساجد أن يتم تمويلها من قبل المسلمين الفرنسيين.
وحول مسألة «الحلال» وكذلك «الكاشير لليهود» قالت لو أنها الحكم لغيرت الدستور بشكل ينص على أن الدولة «لا تعترف بأي طائفة». وشددت على أنها ضد الحجاب «في المحلات وفي المواصلات العامة وفي الشارع».
ان هذا المنع يجب ان يطبق في “المتاجر ووسائل النقل والشوارع”. واضافت “من البديهي انه اذا ما منعنا ارتداء الحجاب فعلينا ان نمنع اعتمار القلنسوة في الاماكن العامة”. ورداً على أن مثل هذا المنع يمس الحريات قالت «ممنوع التعري في الشارع فهل هذا انتقاص للحريات؟». ورفضت الدخول في تمييز بين الحجاب الديني والحجاب المدني وقالت «الحجاب ممنوع» ثم استدركت قائلة «يمكننا التميز بين حجاب يحمل معاني دينية وحجاب للزينة».
ورداً على سؤال عم إذا كان هذا المنع يطبق على كل الرموز الدينية ومنها القلنسوة اليهودية أجابت «بالطبع إذا منعنا الحجاب علينا منع القلنسوة».
وقد اثارت دعوتها هذه استياء الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند، وقال إن «كل ما يمزق ويقسم امر ارعن» في إشارة إلى المجتمع الفرنسي وتابع «لذلك من الضروري تطبيق القواعد، والقواعد الوحيدة التي نعرفها هي قواعد الجمهورية والعلمانية». ووصف احد وزراء هولاند صاحبة الدعوة مارين لوبن بأنها «اصولية». وقال وزير التربية الفرنسي فنسان بيون ان «كل هذه الترهات ناجمة عن الكراهية والظلامية. فلنتحرك» وتابع «إن مارين لوبن ستصب الزيت على نار كل الاصوليات. وهي اول الاصوليين». واضاف «هذا وقت توحيد الصفوف والتحلي بمزيد من التسامح حيال بعضنا البعض، والارتقاء الى مستوى الاخوة والقول معا لا لهذا الخطاب الحقود والتقسيمي».
ورأى مرصد مكافحة معاداة الاسلام ان تصريحات مارين لوبن ليست سوى «ترهات». واضاف عبد الله ذكري رئيس هذا المرصد لوكالة فرانس برس انه «في اطار بالغ التوتر جراء الفيلم المسيء للاسلام والرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها مجلة شارلي هيبدو، جاءت هذه التصريحات لتصب الزيت على النار وتتسبب في اندلاع مشاكل بين الطوائف».