- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

كفيف غزّي يتحدّى المبصرين (تحقيق)

امتطاء الخيل واحد من هوايات كثيرة لنهاد

امتطاء الخيل واحد من هوايات كثيرة لنهاد

غزة ــ سناء كمال
رغم فقدانه حاسة البصر، يتمتع الأربعيني، نهاد بكرون، بمواهب عديدة وهوايات كثيرة، يجمع بينها خلال يومه، ويعيش في عالم بناه بخياله وفق إمكاناته البسيطة، تسعده وتخرجه من عتمته الدائمة .
ويعيش بكرون حياته الطبيعية في عائلة صغيرة مكونة من زوجته وستة من الأبناء، ثلاثة ذكور وثلاث اناث، يتعلمون من والدهم كيفية التغلب على مصاعب الحياة مهما كانت.
ويروي بكرون واقعة فقدانه البصر قائلاً “كنت ألعب الكرة مع أصدقائي وفجأة شعرت بدوار شديد ورفعت رأسي لأعلى حيث كانت أشعة الشمس وقت غروبها، ولم أدر بعدها ما الذي جرى سوى أنني لم أعد أستطع الرؤية”. ويضيف أنه لا يشعر بأنه (عاجز) بعد فقدان بصره، لانه يستطيع أن يتحدى أصدقاءه وجيرانه في إنجاز أي مهمة تطلب منه على الوجه الأكمل، ما يدعو الآخرين للدهشة والاستغراب.
ويقول رامي، أكبر أولاده، انه حضر موقفاً لوالده مع مجموعة من رفاقه من سكان الحي، حيث كان التحدي قائماً بين والده وأصدقائه علي قيادة دراجة هوائية، ووضع العقبات له من أجل اجتيازها دون مساعدة أحد. ويضيف “قاموا بوضع حاجزاً من الحجارة بعرض الشارع الصغير، وتركوا مسافة ضيقة مفتوحة، طالبين من والدي المرور منها”. ويشير الى والده قام بركوب الدراجة وسار بها، وإذ به يتمايل وكأن عينيه تبصران من جديد، ليجتاز الحاجز بكل مهارة ودقة، ما أدهش واثار استغراب المتواجدين جميعا وأنا أولهم”. ويعلّق الوالد مبتسماً “تعودت على هذه الحيل من أصدقائي، ولكنني لهم بالمرصاد دوما”.
ولنهاد هوايات كثيرة، كالسباحة وركوب الخيل وقيادة الدراجات النارية والسيارات، ويبرع في لعب “حجارة الدومينو”، بالاضافة الى عشقه للعزف على الآلات الموسيقية منها البيانو والمزمار والشبابة.
ومع غروب شمس كل يوم، يجتمع سكان حيه حوله للتسامر في حلقات كبيرة، يعزف خلالها نهاد لهم على البيانو وسط فرحة الموجدين. ويقول أبو محمد، أحد جيرانه، “نهاد رجل عبقري، لديه قدرة عالية على التعايش مع وضعه، بل استطاع رغم اعاقته أن يكمل دراسته الجامعية ويتخرج منها بدرجة الامتياز مع مرتبة الشرف”.
وتحدثت زوجته لـ “أخبار بووم”، قائلة إنها تغار عليه كثيراً من “جواهر”، وهي خيل صغير يقتنيه بمنزله. وتضيف “يفضلها دوما عن كل من هم حوله”. وتتابع بحسرة وابتسامة خفيفة “لكن ما في اليد حيلة، مكتوب علي ورضيت فيه”.
ويعلق نهاد على ذلك قائلاً: “جواهر أنا اشتريتها من رجل، وهي بعمر الشهرين، وكانت إحدى أقدامها مكسورة لا تستطيع حراكها، لكني قمت بمعالجتها بيدي، واعتنيت بها، حتى استعادت عافيتها، وأصبحت ركوبا لي”. ويتابع: “هي تعرفني وتميزني عن الأخرين بسبب حسن معاملتي لها”.
وقبل أن يمتطي الكفيف فرسه البيضاء ذات الرقع البنية والشعر الأبيض الناعم والكثيف، يداعب وجهها بيديه، ويتمتم لها في أذنها. وتسير به جواهر، وهو يعزف لها على المزمار البلدي، إلى المكان الذي يريده، وتعود به من حيث خرج، فهو يعتبرها دليله الخاص، الذي يثق به كثيرا.
ويمتلك الكفيف نهاد “فرقة فنية للأفراح والزفات الشعبية والمناسبات السعيدة”، تعد من الأشهر بين مثيلاتها في قطاع غزة، حيث تتكون من أربعين رجلاً. وتتنقل الفرقة بين الحفلات، فيعزف نهاد المزمار وهو يعتلي ظهر جواهر، وتتراقص فرحا وبهجة وسط حضور المحتشدين الذي يقفون مصفقين لهما ويشاركاهما الرقص.
ورغم الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها نهاد، إلا أن الابتسامة لا تغيب عنه، ويقول “إن أهم شيء في الحياة هو القناعة، وأن يكون هناك أمل بالحياة، فبالأمل يمكننا تخطي جميع العقبات”، وينهي حديثه قائلاً “الحياة من دون بصر يمكن أن تستمر، لكنها لا يمكن أن تستمر إذا فقدنا الأمل”.