- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

خبز وملح

علي السقا

“انا مشتقلك. من زمان عم بشتقلك. ما بعرف ليه. بس هيدا يلي صار وعم بصير. يمكن انت شي كتير بعيد، ويمكن كمان شي كتير قريب، ما بعرف! “. لم يجرؤ على النطق بكلمة واحدة من كل هذا. حسناً، إبتلع لسانك في هذه اللحظة ولذ بالصمت، لكني أراك. لن أرفع ناظري عنك، فربما تتلعثم كعادتك وتحتاج الى مساعدة، عندها سأكون الى جانبك، لن أدعها تلاحظ وجودي. كأن اومىء لك برأسي مثلاً أو اغمزك.

ها هي بقربك الآن. لا يفصل بينكما بضع سنتيمترات. سنتين أو ثلاث مرت منذ تعارفتما وهذا هو اللقاء الثالث لكما خلال شهر ونصف الشهر. ماذا ستقول لها؟ لن أملِ عليك ما تقوله. سأدعك وشأنك. هيا تحدث إليها. هيا!

– ” كيفِك؟”

– ” منيحة”

-” مممم … منيح”

-“ايه”

– ” كيف الشغل؟”

-” ماشي الحال “

-” مممم… good”

ما هذا يا فالح؟ لمَ تطرح عليها الاسئلة نفسها؟ حدثها بأي جديد. حدثها عنك فلديك الكثير، هيا.

قل لها انك تفضل الجلوس هنا على هذه الاريكة الواسعة، وانك تأنس، كما في المرتين السابقتين، الدنو منها، فيما تتسع الأريكة لشخصين آخرين بعد.

قل لها، أنه ما زال يخالجك الشعور نفسه، بأن ترتفع يدك لتمسد شعرها الناعم، وانك عندما اقتربت منها في اللقاء السابق، ورفعت ضفيرتها التي انسدلت على وجهها، لم يكن في الحقيقة الا عطشاً لتلمّس الحرير.

قل لها، ان الذي بينكما خفيف معطّر، هواء ناعمٌ تود لو تحمله فوق راحتيك، ياسمينٌ هذا الذي تطوق به جيدها.

حسناً، إقترب منها . لا تترك هذا الفراغ بينكما. إلتحم بها ثم هيّء رئتيك لنسائم الأريج الطريّ.

الماء على الطاولة الصغيرة امامك، صبّ كأساً واسقها. السفر بعيد والحرّ شديد وهي عطشى، فاسقها.

إسقها على مهل. دعها تشرب وترتوي حتى تزفر صحرائها، ثمّ تأمل بصمت ربيعاً مزهراً يلوح فوق الشفتين.

هل حدقت إلى مائدتك؟ لا بأس بها هكذا، متواضعة. هي أيضاً تحبها كذلك، فيها ما يبقيكما جائعين للملح والسكّر. مدّ يدك ثم اقتطع من الرغيف كسرة، غمّسها بروية واحذر ان تخرج بها متخمة، فهي تحب الطعام سلساً سائغاً.

حدثها عن الم القلب، عن حال الطقس، اخبرها بأن جوعك للدفء يحيل كل الفصول شتاء. قل لها أن الحب دفء، وانك تتوسم فيها الشتاء.

دع هذا كله لوقت لاحق، ايها الممتلىء بالشوق.

رافقها الى السيارة. ابلغها سلام الوداع على أمل اللقاء. لن اقول لك شيئاً. سأدعك وشأنك. لكني سأنصت لكما فحسب.

-” آمل أن نلتقي في وقت قريب. وداعاً” تقول لها.

أنت تبتعد وما زلت تقول ” لم يزدني اللقاء بك إلا شوقاً”.

إني أسمعك. وداعاً أيها الممتلىء بالحبّ!