- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

«فيسبوك» واستقطاع المستقطع

نقطة على السطر

بسّام الطيارة

فيسبوك من هنا وفيسبوك من هناك. لا بأس بهذا الموقع للتواصل الاجتماعي للتنفيس والتواصل. تمشي الصبية على الرصيف أو تجلس في الباص وعيناها مسمرتان على «المحمول» الذي بات يؤمن خدمة فيسبوك وتويتر وكل خدمات التواصل الاجتماعية. يتمشى الشاب مع خطيبته، هي تحمل «بلاك بيري» في يدها وهو يحدق في الـ«إيفون». يتحلق الأصدقاء الأربعة في المطعم ينتظرون وصول الكرسون وكل منهم يحدق في «محموله»، تصل الأطباق وتصطف بين الهواتف المبعثرة على مائدة.
فيسبوك… فيسبوك وبعض من تويتر. فيسبوك يحتاج إلى ردة فعل على كلمات أو صورة مرسلة بينما تويتر يتطلب «تقييماً» لحالة بكلمات بسيطة ومعبرة. وهي من أسباب غلبة «التعليق» في فيسبوك على «تغريدات» تويتر.
«أه شو حلوة أنت وخطيبك يخليكم لبعض». «أنا وجوني في ميلانو» (تتبعها صور عدة تروي الرحلة). صور الأولاد كثيرة ومتنوعة، وصورة الرضيع أيضاً محمول يبتسم للآلة التصوير. «حج مبروك وسعي مشكور» سوف تملأ المواقع الاجتماعية في الشهر المقبل، أو «عيد سعيد ناطرك في …». كاريكاتور أعجب أحمد… صورة جلبت أنظار سامي وما إلى ذلك من تعليقات، كما توجد بعض الأشعار الجميلة أو بعض الجمل التي يعتقد واضعها أنها أشعار بمجرد أنها أعجبته أو بدت غريبة…
كل هذا تسلية لا بأس بها. تواصل اجتماعي يعبئ فراغاً اجتماعياً ويزيد من قوقعة الفرد في عالم ما بعد الحداثة. كل الدراسات التي تقارب هذه الظاهرة ترى فيها «نوعاً من الانزواء والانفراد الاجتماعي» تماماً مثل «انزواء المراهق في غرفته» أو «انزواء شباب الضواحي تحت الكابوشون»، ويذهب البعض إلى تشبيه هذه الحالات الاجتماعية بـ«انطوائية الأثرياء» وراء أسوار النوادي الخاصة أو «كوندومنيوم» سكني فاخر تحرسه شركات أمنية خاصة. ولكن يتردد البعض الآخر من «شمل الحجاب والبرقع» في هذه الزاوية الانطوائية وإن كانت هذه الظاهرة تحمل كل مقومات الإنطوائية الاجتماعية.
كل هذا فردي ويدخل ضمن نطاق «حلقة الخصوصيات». هذه من منافع فيسبوك. ولكن…
نجد في تلك المواقع الاجتماعية أيضاً «مقاطع سياسية». نضع جانباً شتائم التشهير. نجد أن ما يمكن أن يدخل تحت هذه التسمية هي ثلاثة أنواع: ١) الآراء الشخصية. وهي تشكل متنفساً جيداً جداً لمن لديه ما يقوله لـ«شلة أصدقائه» أو تعليق على حدث أو مادة صحافية. ٢) رابط نحو مقالة أو تعليق في صحيفة أو برنامج تلفزيوني أو فاصل في «يوتيوب». وهذا أيضاً نوع من التعبير والمشاركة أو حوار متعدد الأطراف حول رأي أو خبر أو فكرة.
٣) هو ما أود تسميته «المُستَقطَع» أي مقاطع من مقالات يتم اخراجها من سياقها حسب «أهواء مكتشفها». من حق أي كان أن يقرأ «…لا تأتوا الصلاة…» ويتوقف. من حقه أيضاً أن ينشر قاطعاً مُستَقطَعاً منقولاً على الشبكة. من حق أي شخص آخر أن يستقطع من المستقطع ويعيد بثه ليعيد آخر استقطاع بعض منه ويعيد بثه وهكذا دواليك. البعض يضيف على المستقطع والبعض ينتقص منه البعض يلونه والبعض الآخر يشكله ومنهم من يعطيه معنى مخالف.
إن مقارنة ما نقرأه من مُستَقطَع المُستَقطَع وبين الأصل سوف يبرز مقدار التباين لا بل الاختلاف بين الأصل وما يصل إلينا.
من خصائص «المستقطعات» أن تبدأ بمرجع معروف من نوع «كتبت واشنطن بوست» أو «قرأنا في لو فيغارو»… ثم تأتي بضعة أسطر تحمل بعضاً من الفكرة التي وجدت أصلاً في المقال، بينما دسمتها من بواطن أفكار «كل سلسلة ناقليها» مع تحريف قد يكون مرده صعوبة فهم اللغة ولكنه غالباً يعود إلى تسلسل النقل والتحريف الفكري.
سؤال لماذا لا يقوم «المُستَقطِع» بنقر زر فيسبوك الذي ينقل المقال إلى شبكة أصدقائه؟ كل المواقع باتت مجهزة بشكل يسمح للمعجب أو للمنتقد بأن ينقل المقالة التي تعجبه مباشرة إلى صفحته «من دون تحريف» مع رابط المقالة. لماذا لا يفعل؟
المصيبة أكبر عندما «يتناقل البعض هذه «المُستَقطًعات» ويعتمدونها كمصادر موثوقة.
كم هي الرسائل التي وصلت لنا ولك أيها القارئ وهي تحمل إلى جانب الرابط على فيسبوك هذه الجملة الاستفهامية «معقول؟؟» أو «شفتو؟؟».
وهكذا تكبر الكرة الثلجية للمستقطعات ومع تزايد حجمها يتضاعف تغيير الفكرة الأساسية وبنفس الوقت يكبر حجم سوء التفاهم بين البشر.
إنه الاستعمال الخفيف لفيسبوك. ولكنها الحرية التي تسمح للمنزوي والمتقوقع أن يعتبر أن له صوتاً.