- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

” النموذج اللبناني” .. إنتخابياً

طانيوس دعيبس

امام جمع من الاصدقاء، ذكر أحد العاملين في مجال الإحصاء أنه لم يتلق من أية جهة سياسية طلباً لمحاكاة وضعها بالنسبة لقانون إنتخاب يعتمد النظام النسبي. مع التأكيد على الإستنتاج الطبيعي بعدم وجود أية قناعة عند أي من القوى السياسية بأن إمكانية إقرار هكذا نظام واردة. بمن فيها طبعاً القوى الممثلة في الحكومة التي أقرت المشروع المحال إلى المجلس النيابي، والذي يعتمد النظام النسبي.
اللجان النيابية التي قررت أن تجتمع كل ثلاثاء وخميس لمتابعة نقاش مشروع قانون الإنتخاب ، أرادت من قرارها توجيه رسالة إلى اللبنانيين ( او من يهتم منهم ) بانها جادة في العمل لإنجاز مهمتها تحضيراً للنص النهائي، ليعرض لاحقاً على الهيئة العامة للمجلس من أجل إقراره. والمضمر في قرار اللجان أن الوقت مفتوح امامها، أقله حتى نهاية العام.
وبموازاة عمل المندوبين في المجلس النيابي، تؤكد التصريحات المتكررة للسبعة الكبارأصحاب الحل والربط داخل اللجان المشتركة وخارجها ( بري-الحريري-جنبلاط-نصرالله-جعجع-عون-الجميل ) اختلافهم على القانون وتباعد رؤاهم بشأنه، بما يشير إلى استحالة اتفاقهم.
أما الجملة الوحيدة المفيدة التي سمعناها الأسبوع الفائت، فقد قالها وزير الحزب الإشتراكي غازي العريضي بعد لقاء مع رئيس المجلس : ” إذا لم نتفق، نذهب إلى الإنتخابات بالقانون الموجود “.
إذن، في المحصلة وبالإختصار، تبدو فكرة الإصلاح الإنتخابي في لبنان مستحيلة التحقق في ظل موازين القوى القائمة في البلاد. ولا نتحدث هنا عن الموازين السياسية والطائفية السائدة ( إسلام – مسيحيين، سنة – شيعة، 14 و8 أذار )، بل عن الموازين التي تتواجه من خلالها قوى الإصلاح ( قوى عديدة من المجتمع المدني بالإضافة إلى مجموعات متناثرة من الديموقراطيين والمثقفين ..)، مع القوى المحافظة ( القوى السياسية الحاكمة سعيداً بمجملها ).
والمتوقّع أن اللجان ستناقش طويلاً ولن تصل إلى اتفاق. وستتبادل القوى المتقاسمة الطوائف، والحاكمة باسمها، الإتهامات والإقتراحات المتضاربة، مدركة مسبقاً الرفض المتبادل. وستعود إلى الإقتراح الوحيد الذي يترك أكثرياتها غير محسومة مسبقاً، القانون الذي تحدث عنه الوزير العريضي. المشكلة الوحيدة أمام القوى المجلسية الضاربة في النقاش، هي في اقتراع غير المقيمين. فالقانون القائم حالياً يقضي بمشاركتهم وإلا تبطل الإنتخابات. وحتى اليوم لا يبدو الحماس بادياً لإحترام القانون، ليس لصعوبة لوجستية في التنفيذ، إنما لسبب عدم قدرة القوى المتنافسة على التحكم بأصوات القاطنين بعيداً، فهي تريدهم بين ظهرانيها يوم العملية الإنتخابية. لذلك، وعلى طريقة ” ما أنا المختار بعمل غيرا “، من المرجّح أن تعدّل هذه القوى القانون. وقد بدأ الحديث بالأمر، بحجة ضعف عدد المسجلين في الخارج.
ومع ذلك يبقى سؤال: ما دام يتبيّن أن طبيعة التمثيل ( نسبي أو أكثري )، وتقسيم الدوائر ( مذاهب ونفوذ )، هما جوهر الصراع في الإنقسام السياسي – الطائفي الحاد القائم حول قانون الإنتخابات، ماذا عن بقية بنود الإصلاح، المفترض أن الجميع موافق عليها وفق ما يصرحون ويعلنون ؟ من مثل الهيئة المستقلة المشرفة على الإنتخابات، والقسائم الإنتخابية المعدة سلفاً، والكوتا النسائية، والإجراءات اللوجستية المتطورة للعملية الإنتخابية ( أمكنة وطرق الإقتراع، الفرز، تنظيم الإعلان والإعلام الإنتخابيين..). لماذا، إذا كان الخلاف قائماً على النسبي والأكثري وتقسيم الدوائر، لا تقّر الإصلاحات التي لا خلاف عليها ؟ الجواب المنطقي هو أن قوى القسمة الطائفية لا تختلف على رفضها. ولأن الخلاف حولها هو بين قوى الميزان الثاني، قوى الإصلاح الفعلي، بمواجهة القوى الرافضة للتطوير الديموقراطي وللمشاركة الفاعلة في الإنتخابات.
نحن، إذن، امام مشهدين يجب التمييز الواضح بينهما. مشهد الصراع السياسي الفوقي، بين كتل تستند إلى واقع الإنقسام الطائفي، وإلى متطلبات الإمساك بالسلطة، وهمها الوحيد هو الوصول إلى الأكثرية في الإنتخابات المقبلة. وهذا المشهد هو الذي نتفرّج على فصوله المملة منذ أسابيع في الحكومة والمجلس النيابي وعلى الشاشات، والذي يتكرر أمامنا كل أربع سنوات. ومشهد ثانٍ نفتقد رؤيته بوضوح، مشهد الباحثين عن كيفية تطوير الممارسة السياسية الديموقراطية في البلاد.
الذين يتحدثون عن النموذج اللبناني لثورات الربيع، عليهم أن يلاحظوا أن القوانين الإنتخابية لهذه الثورات الوليدة، أكثر نموذجية بكثير من قوانينهم الفاسدة…