- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

ليبيا بين التشدد الإسلامي والالتزامات حيال الغرب

معمر عطوي – خاص
لا يبدو المشهد الليبي واضحاً بعد، في وقت يستعد فيه رئيس الحكومة الليبية المُنتخب مصطفى أبو شاقور، لإعلان تشكيلته الوزارية العتيدة، فيما تتصاعد حدة الخلافات بين معسكري الليبراليين والإسلاميين في لعبة تجاذب صعبة حول هوية الدماهيرية السابقة، الاسلامية.
ولعل حادثة مقتل السفير الأميركي لدى ليبيا كريس ستيفنز الشهر الماضي في مدينة بنغازي، (ثاني أكبر المدن الليبية الواقعة في الشرق، والتي سُميت عاصمة الثوار لانطلاق انتفاضة 17 فبراير 2011 ضد نظام العقيد معمر القذافي من شوارعها)، تؤكد أن الشارع الليبي محكوم لتيارات متعددة وأن التحديات التي تنتظر السلطات الجديدة ليست سهلة.
تحديات تبدأ بانصياع المجموعات المُسلّحة لأوامر القوات العسكرية النظامية ولا تنتهي مع محاولات ضبط مجموعات دينية متشددة قد يكون تنظيم القاعدة أحد تجلياتها المستقبلية. وحادثة مقتل السفير الأميركي واحراق مبنى قنصلية بنغازي، إن دل على شئ انما يدل على وجود تيارات متباينة في العقيدة والفهم السياسي حتى داخل المنظومة الميليشيوية الإسلامية نفسها.
فرغم النجاح النسبي للحراك الشعبي في مدينة بنغازي في تحريك عجلة الحد من سيطرة الميليشيات، بعدما قامت مجموعات عديدة في المدينة وفي طرابلس بالانصياع الى السلطات، واضعة عديدها وعتادها وعناصرها تحت إمرة الجيش، بيد أن هذه المجموعات التي تحتفظ بهوياتها المختلفة من السلفية الجهادية والاخوانية والقومية لا تزال بمثابة النار تحت الرماد، بحيث أنها جاهزة للتحرك وربما الاقتتال فيما بينها عند أي منعطف خطر.
ولا ننسى القذاذفة ودورهم في اشعال النار حين يرون ذلك مناسباً، لعل عمليات الخطف التي حدثت الشهر الماضي بين مدينة مصراتة (شرقي طرابلس) ومدينة بني وليد التي تحتضن مجموعات قبلية من القذاذفة مؤيدة بمعظمها للعقيد الراحل معمر القاذفي، تؤكد أن ليبيا لم تصبح كلياً في قبضة الثوار ولا تزال لعبة الولاءات القبلية قادرة على حرف الأمور عن مسارها في أي وقت.
هذا على مستوى القاعدة أما على مستوى رأس الهرم السياسي، فالخلافات على أشدها بين الليبراليين الذين يقودهم رئيس الحكومة الأسبق محمود جبريل، وبين الاسلاميين الذي يُعتبر الشيخ علي الصلابي المدعوم من قطر مرشدهم الروحي.
ولعل الجدل الذي حصل هذا الإسبوع حول تصريح رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) محمد المقريف، والذي تمنى فيه الوصول الى دولة ديموقراطية علمانية مدنية، ينبئ بإشكالية كبيرة في المستقبل حول هوية ليبيا الإسلامية التي أعلن رئيس مجلسها الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل، العام الماضي اثر نجاح الثورة في تسلم مقاليد السلطة والقضاء على نظام القذافي، أن مصدر التشريع فيها الاسلام.
فاعتذار المقريف لاحقاً من أعضاء مجلس النواب الذين احتجوا على هذه التصريحات يؤكد أن قوة الاسلاميين مؤثرة في السلطة التشريعية، رغم أن الأكثرية في البرلمان من الليبراليين (تحالف القوى الوطنية ويضم اكثر من 40 حزباً ولديه 39 مقعداً ويرأسه محمود جبريل). فعلى ما يبدو أن المستقلين في جزء منهم أيضاً يجنحون الى أسلمة السلطة.
الاشكالية الأخرى التي بدأت ملامحها تظهر مع مقتل السفير الأميركي، هي كيفية التوفيق بين “الوفاء” بالالتزامات تجاه الولايات المتحدة وفرنسا وقوات حلف شمال الأطلسي، التي ساعدت الانتفاضة على التخلص من النظام السابق، وبين متطلبات المرحلة الحالية التي تعمل خلالها السلطات على إدماج القوى المُسلحة في الجيش، فمن الوارد وبعد وقت ليس ببعيد أن تطلب قوات الأطلسي من السلطات الليبية وتحت ذريعة محاربة تنظيم القاعدة في شمال افريقيا، السماح لها بعمليات قصف واغتيال في الهضبة الافريقية بطائرات من دون طيار على غرار ما يحصل في اليمن وافغانستان وباكستان.
لا شك أن التحديات صعبة أمام حكومة أبو شاقور ومهمات المقريف في وقت تعمل خلاله السلطات على بناء المؤسسات الدستورية وترميم السلم الأهلي وتاسيس البنى التحتية ومقومات العيش الكريم لمواطن بقي تحت حراب الاستبداد أكثر من أربعة عقود.