- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

قانون فدرالية الطوائف

زاوية حادّة

حسام كنفاني

لبنان يعيش حالياً على وقع السجال على قانون الانتخابات، المرتقب إجراؤها العام المقبل. لا يشغل بال السياسيين اللبنانيين إلا كيف بالإمكان الحفاظ على الكراسي جاهزة لاستقبالهم في الدورة البرلمانية الجديدة، بغض النظر عن ما أنجزوه في الدورة السابقة أو التي سبقتها، وهو بالمؤكّد لا شيء سوى زيادة التوتّر والتناحر والفقر والإفقار في بلد الطوائف.
رغم ذلك، فإن السياسيين واثقون من أن ناخبيهم سيأتون زرافات وقطعاناً لتجديد الولاء للبيعة. هؤلاء الناخبون أنفسهم، الذين يقضون السنوات الأربع السابقة والتالية في شتم ممثليهم في المجلس النيابي، لكن لحظة الانتخاب لا بد من استنفار العشائرية الطوائفيّة للحفاظ على الكينونة والوجود.
المشّرعون يدركون حساسيّة هذه العشائرية، التي تصل إلى حد العنصرية في كثير من الأحيان. ورغم انهم كانوا وقعوا قبل سنوات طوال على اتفاق لإلغاء الطائفيّة السياسيّة، لكن هذا لا يمنع من تشريع جديد يعزّز العشائرية، ويدفع كل طائفة إلى التقوقع حول نفسها وزعاماتها والانعزال عن الشركاء الآخرين في الوطن.
بين قانون الستين والدوائر الصغرى ومشروع الحكومة للدوائر الـ15، يطل على المشهد اليوم مشروع القانون الأرثوذكسي، الذي يحظى بكثير من الترحيب من نواب الطوائف في بلاد الأرز. المشروع بسيط جداً: كل طائفة تنتخب نوابها على أساس لبنان دائرة واحدة ووفق النظام النسبي. بمعنى أن الأرثوذكسي لا ينتخب إلا ابن طائفته، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشيعي والسني والماروني والدرزي وإلى ما هناك من طوائف لبنانية متعايشة بالقوة.
حظوظ المشروع في المرور معتدلة، من دون أن يعني ذلك أن المشاريع الأخرى أقل سوءاً من الطرح الأرثوذكسي. لكن اللافت أن مقدمي المشروع الأخير، ومن يدعمونه، يؤسّسون لمرحلة انعزالية عنصريّة أخطر من تلك التي كانت سائدة إبان الحرب الأهليّة اللبنانية، ولا سيما أنها ستكون انعزاليّة قانونيّة تؤطّر كل طائفة في محيطها الجغرافي والسياسي، بحيث يمنع عليها الخروج عن إطارها والمساهمة في رأي خارج دائرة نطاقها المسموح قانوناً. إنها الفدرالية المقنّنة انتخابياً، فما عُجز عنه خلال سنوات الحرب الطويلة، ها هو يتقدّم بهمّة «نواب الامّة».
وبغض النظر عن المعاني السياسيّة لمثل هذا القانون، فإنه أيضاً يعزل فئة، ولو قليلة نسبياً، من اللبنانيين، التي لا تزال ترى في العلمانية خلاصاً للبلاد من توتراتها وصراعاتها. لا مكان لهذه الفئة في هذا المشروع الانتخابي، الذي يشترط على من يود الاقتراع أن يكون طائفياً أباً عن جد. أما من يسعى إلى الخروج من الطوائف وصراعاتها، فما عليه إلا التفرّج من بعيد، والانتظار حتى يحين موعد الهجرة. فالبلد ليس لأبنائه، بل ملك للطوائف حصراً.