- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الانعزال السعودي

نقطة على السطر
بسّام الطيارة
لا أحد يمكنه إنكار تداعيات الأزمة السورية على أمن المنطقة والتحالفات فيها. ولا يمكن إنكار أن هذه الأزمة أدت إلى الكشف عن نقاط احتكاك حامية في النظام العالمي كانت مخبأة تحت غشاء عولمة النظام الاقتصادي ووراء ستار الابتسامات الدبلوماسية.
لا ريب أن ما يسمى «الربيع العربي» شكل عامل تفجير لسلسلة متغيرات وانقلابات ليس فقط للأنظمة الديكتاتورية البالية ولكن للتحالفات بين القوى العظمي التي تبين أنها سطحية في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، وتغطي منافعها التي كانت تلك الديكتاتوريات ركيزة لها.
قد يرى البعض أن من أبرز هذه المتغيرات بروز تركيا على الساحة كقوة إقليمية فاعلة تريد أن تلعب دوراً قيادياً في شؤون المنطقة، وبث «نمط التنمية الإسلامية التركي» للوقوف في وجه «نمط السلفية». هذا صحيح ولكن هذ التوجه «العثماني» لتركيا اليوم، بدأ بالفعل قبل الربيع العربي بسنتين تقريباً، وكانت الانطلاقة على الساحة المؤثرة عربية وإسلامياً أي بمواجهة مع إسرائيل بشأن الملف الفلسطيني تمثلت بـ«المبارزة الشهيرة بين أوردوغان وبيريز» في منتدى دافوس الاقتصادي، أعقبتها «محاولة فك الحصار عن غزة». اعتبر البعض أن «تركيا عادت لتدخل تحت قبة قضايا الإسلام والمسلمين» ونظر الجميع نحو «الحلف الأطلسي»، بعضهم دغدغه حلم «انفصام» الغرب عبر الحلف الأطلسي وحليفيه في المنطقة إسرائيل وتركيا.
خلال هذه الفترة كانت تحالفات تركيا تتماوج في مرآة الربيع العربي. تحالفها مع قطر وسوريا صمد أمام ثورتي مصر وتونس. عندما انطلق الربيع العربي في اليمن والبحرين ولامس عمان نظر «الحلفاء الثلاثة» ـ الدوحة وأنقرة ودمشق ـ نحو المريخ، وبدأ كل منهم يلعب تحت الطاولة لعبته الخاصة. قطر دعمت قسماً من الثوار المنافس للثوار المدعومين من السعودية بينما دعمت سوريا النظام بشكل سري. هذا التباعد الذي بدأ في اليمن كبر حجمه في عندما انطلق الثورة الليبية. وبدأ التنافس بين قناة «الجزيرة» وقناة «دنيا» وبدأ التباعد يخط شرخاً بين الخلفاء شرخاً امتد إلى باريس نيكولا ساركوزي، وبقي موقف المملكة العربية السعودية غامضاً بدعمه للثوار مع تردد في ما يمكن أن تؤول إليه نهاية الثورات. علماً… علماً أن الوهابية لا تجد أذناً صاغية في الدوحة.
الجديد الذي بدأ يتأتى من الصراع في بلاد الشام له يحمل وجهين. الأول: تقارب فرضته «عالمية» الإخوان المسلمين على «تركيبة حلفاء جديدة» تشمل مصر وتركيا وقطر. أما الوجه الثاني فهو «انعزال سعودي» يكتشفه المراقبون رويداً رويداً.
السؤال الذي يفرض نفسه هو «هل تقبل المملكة العربية السعودية أن تتم محاصرتها» غرباً من مصر التي تسترد موقعها والأردن المنصاع لتحالفاته «التاريخية» وشمالً من تركيا القوة الضاربة عسكرياً والمؤثرة على اسلاحة السورية اليوم وشرقاً من قطر ذات القوة الضاربة مالياً، بينما في الجنوب يتراجع تأثيرها على «حديقتها الخلفية» اليمن؟
أين المفر؟
رغم أن الهَرمَ القيادي في السعودية يهرم، إلا أن كافة المعلومات المتسربة تقول أن «بندر ينسج وجه قيادات شابة جديدة»، ويتسعد لقلب الطاولة على تحالف «الدوحة القاهرة أنقرة».
أين المفر؟
قد يكون في الزاوية الرخوة التي يشكلها العراق. إن تقارب مع العراق اليوم يبعد شبح هيمنة مصرية تركية على تركيا ويساهم في إطلاق حل سياسي في سوريا.
قد تكون موسكو قد أدركت رغبة المملكة بالخروج من العزلة وهو ما يفسر زيارة لافروف إلى الرياض. روسيا مثلها مثل السعودية، تدرك جيداً أن الولايات المتحدة بعد الانتخابات سوف «تجري تغييراً جدرياً في مقاربتها للحالة السورية». وباتت مصالح المملكة متقاربة مع مصالح روسيا في إبعاد شبح «حروب أهلية تعم المنطقة»…كما هو حال واشنطن.