- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

ما بعد التوجيهي.. المستقبل المجهول!

القدس ــ فادي أبو سعدى

هو.. اختار دراسة الهندسة، وهي.. قررت رفض “منحة” الطب للذهاب إلى ما تعتقد أنه ما تريد، وذاك، ورغم حصوله على معدل مرتفع، يريد دراسة الموسيقى رغم رفض العائلة، وآخر سجل لدراسة الهندسة ارضاءً لوالديه، لكنه يحلم بدراسة الفنون، هذا سببه النظام التعليمي المتعفن، وبسبب غرور البعض كذلك في إجبار أولادهم على أن يصبحوا “أطباء” أو “مهندسين”، لكن أولادهم ربما لا يريدون ذلك، والأكيد أنهم لا يدرون شيئاً عن الحياة بعد.

يتصدر هذا النقاش كل منزل فلسطيني أنهى أحد أفراده امتحان الثانوية العامة “التوجيهي”، لكن للأسف الشديد فإن الطلبة لا يعرفون مدى تأثير قراراهم على مستقبلهم، ولا يعلمون حتى أي شيء عن سوق العمل ما بعد الانتهاء من الجامعة، كما أن المشكلة تترافق مع عدم تقديم الأهل نصائح عملية لأبنائهم، وإنما يكتفون بتوجيههم حسب رغباتهم، وحسب حبهم لذاتهم أمام الناس، كون ابنهم/ ابنتهم سيصبح طبيباً أو مهندساً، أو غير ذلك.

“بووم” التقت مجموعة من الطلبة الذين أنهوا المرحلة المدرسية، وتوجهوا إلى الجامعات الفلسطينية المختلفة، لاستطلاع آرائهم حول ذلك، وكان أولهم “ليث عواد” الذي بدأ دراسة الهندسة في جامعة بيرزيت “غالباً لأنه يحب الرسم”، ولأن “جامعة بيت لحم” ليس فيها تخصصات كافية كما قال.

ويقول ليث “أنهينا التوجيهي ونحن لا نعرف إلى أين نذهب بعد ذلك، أو ماذا سندرس، لأنهم لم يقولوا لنا شيئاً في المدرسة، لا أحد يتحدث عن ذلك، بالرغم من علمنا بأن الطلبة في أميركا وأوروبا، ينهون المدرسة عارفين بشكل مطلق ماذا سيدرسون، وأي مهنة سيعملون بعد الدراسة، لأن كل شيء متاح لديهم منذ الصغر.

أما “ماري الطويل” ورغم حصولها على معدل 93.4 إلا أنها اختارت دراسة “التغذية” في جامعة بيرزيت، واتخذت هذا القرار بمساعدة والدها كما قالت، ورغم العرض الذي قدم لها بدراسة “الطب” في جامعة القدس في “أبو ديس”.

ماري، وكما كل الطلبة، لم يعرفوا المواد التي ستكون ضمن دراستها إلا بعد التسجيل ودفع الرسوم، لكنهم قالوا لها بأن “التغذية” جيدة للدراسة والعمل، وأخذت بنصيحتهم كما قالت لـ”بووم”.

بينما “حسام برهم” الحاصل على معدل 97 في امتحان الثانوية العامة، فهو الآخر اختار “الهندسة” في جامعة بيرزيت، رغم حبه الكبير للموسيقى وحصوله على جوائز عديدة فيها، إلا أنه يرى بأن “لا مستقبل للموسيقى في بلدنا”.

حسام كان يفكر في دراسة الطب في “الأردن” لكنه قرر بأنه لا يحب الغربة والاغتراب بعيداً عن بلده، واكتفى بهواية الرسم التي يمتلكها لدراسة الهندسة.

كما سألنا الطلبة الثلاث، عن فكرة التوقف عن الدراسة بعد التوجيهي لمدة عام واحد أو حتى ستة أشهر، والتوجه للتطوع والعمل في عدة مجالات “كل منها لبضعة شهور”، ليروا لو كان ذلك سيساعدهم في اختيار مهنة المستقبل، لكن الجواب كان سريعاً جداً وتلقائياً “بالرفض” على اعتبار بأن هذه السنة “ستضيع” منهم كما قالوا، وعندما سألناهم من قرر أنها ستضيع ولن تُفيد؟، جاء الجواب “بأن المجتمع هو من قرر ذلك” رغم قبول الفكرة من البعض.

“بووم” التقت كذلك أستاذ الكيمياء في جامعة بيت لحم “جراسموس خروب” الذي أكد فعلاً وجود نسبة معينة من الطلبة يصلون الجامعة دون علمهم بطبيعة اختيارهم، وإن كان الخيار الصحيح أم الخاطئ.

لكن “خروب” أكد وجود بعض المدارس الخاصة التي بدأت تعتمد نظام “الإرشاد”، خاصة في الصفوف الحادي عشر والثاني عشر، في محاولة لتوجيه الطلاب على كيفية اختيار دراستهم الجامعية.

“المفروض على مجتمعنا أن يتقبل توقف الطالب عن الدراسة لفترة زمنية بعد الثانوية العامة” يقول خروب، حتى يتمكن من التفكير ملياً بمستقبله، أو العمل والتطوع في بعض المؤسسات والشركات للحصول على بعض الأفكار عن سوق العمل، وطبيعة ما سيحب أن يدرس، لكن للأسف مجتمعنا لا زال لا يتقبل ذلك.

ويؤكد خروب وجود مشاكل حقيقية في النظام التعليمي للمدارس، حتى أنه وصفه “بالعقيم” ذلك أنه يعتمد على ثقافة “التلقين” فالطالب يمثل “وعاءً” يضع فيه كل المعلومات التي يحصل عليها، ليفرغها على ورقة الامتحان فقط.

ويضيف خروب بأنه من الناحية الأكاديمية فإن الطلبة الذين وصلوا الجامعة للعام الدراسي الحالي، هم أسوأ من الجيل الذي سبقه، وطالما بقي النظام التربوي على حاله، فإن بعض هؤلاء الطلبة سيصبحون مدرسين في الجامعات، ما سيعني تكرار نفس الأخطاء في معلمين، تلقنوا وهم طلبة، ويلقنون الآن بنفس الطريقة التي تعلموا بها!