- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

العجز التركي

حسام كنفاني
التصعيد الأخير على الحدود السورية التركية ليس الأول، ولن يكون الأخير. والتصريحات الصادرة من أنقرة والتهديد والوعيد، أيضاً سبق ان سمعناه كثيراً منذ بداية الثورة في سوريا منذ أكثر من عام ونصف العام، غير أن اي ترجمة فعلية له على الأرض لم تحصل، ولا يبدو أنها قد تحصل في القريب العاجل، كما يمني البعض النفس.
سبق لأنقرة قبل أشهر كثيرة ان تحدثت عن المنطقة العازلة، متذرعة بعدم احتمالها لتدفق اللاجئين السوريين إلى أراضيها. حينها وضعت سقفاً للرقم الممكن استيعابه. غير أن هذا السقف استمر في الارتفاع لتجنيب أنقرة تنفيذ ما هددت به، ولا سيما في ظل عدم وجود غطاء دولي ــ أطلسي لأي تحرك عسكري مرتقب، قد يجرّ المنطقة إلى حرب موسعة في ظروف غير مؤاتية حالياً للفاعلين الدوليين.
السقف التركي بدأ مع عشرة آلاف لاجئ، ومرّ بخمسين ألف لاجئ، قبل ان يصل في النهاية إلى مئة ألف لاجئ. الرقم الأخير هو أحدث ما لوّح به الأتراك، على اعتبار أن تخطيه سيحتم عليهم الدخول في الأراضي السوريّة لإقامة المنطقة الآمنة. غير أن أنقرة مدركة أنها ستكون عاجزة عن هذه الخطوة، حتى لو تخطّى عدد اللاجئين الرقم المعلن. وهي لهذه الغاية سعت في الفترة الأخيرة إلى تقليص عدد الداخلين إليها، كي لا تقع في مزيد من الإحراج الذي سببته لها الأرقام السابقة.
غير ان الإحراج جاء من مكان آخر. فبعد إسقاط الطائرة التركية فوق المياه السورية، أتى القصف السوري الذي طاول الأراضي التركية، ليضع حكومة «العدالة والتنمية» في موقف لا تحسد عليه. سعى رجب طيب أردوغان وشريكه أحمد داوود اوغلو إلى محاولة حفظ ماء الوجه؛ اجتماع عاجل لمندوبي «الأطلسي»، بيان رئاسي في مجلس الأمن، وتفويض من البرلمان بالتدخل خارج الأراضي التركية، وأخيراً الإعلان المتواصل عن قصف مواقع للجيش السوري رداً على مصادر نيران.
إجراءات الحد الأدنى بالنسبة إلى الحكومة التركية، التي كانت خلال الأشهر الماضيّة، تكيل التهديد والوعيد، الذي بات مؤكداً أنه مرتبط بغطاء غير موجود. ولعل بيان «الأطلسي» في ختام اجتماعه يعطي دليلاً على فقد هذا الغطاء، إذ إن البيان ذكّر إلى حد كبير ببيانات الجامعة العربية العاجزة. لكن الفارق أن العجز العربي عضوي، بينما العجز «الأطلسي» مرحلي.
عجز مرحلي بانتظار التنسيق والقرار الدولي، الذي ينتظر بدوره مآلات الانتخابات الأميركية، التي على أساسها ستتبلور اسس الحراك الدبلوماسي، أو العسكري، في ما يخص الوضع في سوريا، بدءاً من التفاوض مع روسيا بسقف مرتفع، وصولاً إلى تأمين التسليح اللازم أو الملاذات الآمنة الموعودة من قبل تركيا. الانتظار قد يطول أو يقصر وفقاً لما ستفرزه انتخابات السادس من تشرين الثاني، وما إذا كان العهد الأوبامي سيمتد أربع سنوات إضافية، وفي هذه الحال قد لا يطول الحراك الخاص بسوريا، أم أن ميت رومني سيحقق المفاجأة، وبالتالي فأي تحرّك سينتظر على أقل تقدير إلى الربيع المقبل.
وإلى أن يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود في الولايات المتحدة، سيبقى العجز سيّد الموقف التركي والدولي.