- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

“حتى الآن”..

طانيوس دعيبس

منذ ان بدأ الكلام عن سياسة النأي بالنفس في لبنان على لسان المسؤولين في الحكم تجاه الحدث السوري، كان واضحاً ان نجاح هكذا سياسة هو من سابع المستحيلات. وقد عرضت في مقالة سابقة ( ” من بيروت إلى دمشق مع أطيب التمنيات ” ) لحال هذه السياسة مع وضعية الإنقسام اللبناني الحاد بشأن الأزمة السورية وقواها وطبيعتها.. وتوقعت يومها أن هذا الإنقسام سيستفحل، وسندخل في الحائط رؤوسنا إلى الأمام..
اليوم، وبعد ثلاثة أشهر، يبدو اننا وصلنا إلى الحائط، ولم يعد يفصلنا عن الإصطدام به سوى القليل. وها قد بدأنا نشهد تفاقماً خطيراً لعملية التسخين المتواصلة للإنقسام اللبناني ولتعبيراته المتعددة، بالترافق مع تزايد حدة المواجهة في سوريا، إن كان على مستوى الحرب الداخلية، أو على مستوى التصعيد الخطير لتردداتها الإقليمية، التركية بالأخص.
التعبير الأكثر حضوراً عن هذا التسخين تبدّى طبعاً في الحراك السياسي ( بيانات وتصريحات وخطب ولقاءات ) الذي واكب وأحاط بحدث استشهاد عناصر من حزب الله في سوريا. كان الموضوع محصوراً قبل هذا الحدث بتقديرات وتأويلات غير مثبتة عن تورط الحزب في المواجهة الداخلية السورية. لكن بعد الإعلان الرسمي عن استشهاد عناصره، اصبح الموضوع جزءاً بارزاً من عملية النزال السياسي الداخلي في لبنان. بالتأكيد، أوضح كلام أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله طبيعة الحدث وأعاده في السياسة إلى حجم يبعده عن دائرة انخراط الحزب عسكرياً في الصراع السوري – السوري. لكن التوضيح لم يكن كافياً على ما يبدو لتبريد سخونة النزال على أرض قابليتها مفتوحة على الغليان. وقد زادت في الطين بلة التورية التي استخدمها السيد نصرالله والتي تفيد باحتمال تدخل الحزب في ضوء تطور الوضع في سوريا. ” حتى الآن لم نتدخل ” ! جملة قصيرة دفعت بالتسخين اللبناني نحو أبعاد جديدة. قد تكون اعتبرت رداً على كلام رئيس الجمهورية بشأن عدم السماح بتحويل لبنان إلى منصة دفاع او هجوم على النظام السوري. ورداً على الحملة السياسية التي تقودها قوى 14 أذار للضغط على حزب الله وحشره وإرباكه. إلا ان خطورة مضمونها هي في ما يحتمله من تجاوز للإعتبارات اللبنانية الداخلية، وفي ما يوحي به من كونه رسالة إلى القوى التي تصعّد ضغوطها على سوريا مفادها ان كثرة الشد تقطع.. رسالة إلى الداخل : نحن لا نتدخل.. ورسالة إلى الخارج : نحن قد نتدخّل.. فأي من الرسالتين هي الأفصح ؟ او بالأصح : كيف يمكن لحزب الله أن يوفق بين الرسالتين ؟
لا توجد عناصر واضحة للجواب على هذه التساؤلات. فتهدئة الرياح الداخلية في لبنان تتطلب نوعاً من المهادنة لا يبدو أن أحداً من الأطراف يسعى إليها. وبالتالي كيف يمكن صرف الرسالة إلى الداخل ؟ وبالأخص في ظل اتساع الهوة بين المواقف المتعاملة مع ترددات الزلزال السوري في لبنان. اتساعها بين تكتلي 8 و14 أذار من جهة، وبين اطراف الحكومة من جهة ثانية، ومع موقف النأي بالنفس الذي يعبر عنه بوضوح رئيس الجمهورية، والذي لم يعد، بفعل تطور الأحداث، تعبيراً إيجابياً مقبولاً من جانب قوى 8 أذار وفق تصريحاتها المعلنة.
أما الأصعب فهو صرف الرسالة إلى الخارج. إذ كيف يمكن الموازنة بين ضرورة العمل على تخفيف الضغط عن النظام في سوريا، وبين عدم تعريض لبنان لخطر الإنفجار ؟ وهناك من يضيف عدم استدراج اسرائيل إلينا مجدداً، وكان ملفتاً تشبيه بعض المحللين عملية أرسال الطائرة من دون طيار إلى الأراضي المحتلة بعملية محاولة خطف الجنود الإسرائيليين خارج الخط الأزرق في الجنوب عام 2006.
كل هذا الكلام والتحليل، فيما لبنان مشغول في الظاهر بالإنتخابات وقوانينها. ولفت النظر أمران : الأول خلوكلمة السيد نصرالله من أية إشارة إليها. والثاني كلام النائب ميشال عون، في الوقت ذاته، عن إمكانية عدم حصولها !
نتحدث عن صرف الرسائل إنطلاقاً من تلك ال “حتى الان” ، فيما تصريف “حتى” اصلاً صعب. فقد مات سيبويه وفي نفسه شيء منها..