- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

طالبان في بيروت

نقطة على السطر
بسّام الطيارة
«موضة» طالبان الأفغانية تتمدد نحو الغرب. ليس فقط نمط الهندام أي سروال وقميص واسعين بانتظار العمامات. ولم تصل إلى الغرب (حتى الآن) تعاليم لمدراء مدارس الفتيات تقول ««لا ترتدين الألوان المبهجة» كما دونت الفتاة ملالة التي «أخافت طالبان بتدونتها البريئة».
عن أي غرب نتحدث هنا؟ عن الغرب الجغرافي لأفغانستان ووزيرستان أي عن العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وسيناء وصحراء مصر وليبيا والساحل وموريتانيا وصولاً إلى المغرب.
كانت صورة أصحاب اللحى الكثيفة حتى أمس قريب تدخل في نمط «حرية المعتقد» أي «الموضة الدينية». يشير البعض إلى الذي يرتدي هذا السروال القصير بالـ«أفغاني» وإلى لحيته الكثة بـ«السلفي»، ولم تكن تحمل هذه الإشارات أي مقدار من انتقاص القدر على أساس أن أفغانستان بعيدة وأنها موضة تقليد وانبهار بهؤلاء الذين يحاربون «الأميركي»…إلى أن ظهرت البندقية من تحت السروال القصير وخلف اللحية الكثة.
لم يعد هؤلاء المتشددون يحاربون الأميركي فقط في جبال تورا بورا باتوا في أحياء بيروت.
نقل أبو هريرة هذا الحديث:« لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ » ويتفق الجميع على تفسيره بأن يكون (المؤمن) كيِّساً فطناً متيقظاً بمعنى أنه إذا أخطأ في المرة الأولى عليه أن يستفيد من خطئه الأول بأن لا يقع فيه ثانية، وإذا لدغ من جحر مرة أن يحذر ويحتاط منه بعد ذلك.
هل تعلم الغرب السياسي (وليس الجغرافي) درس خطأ استعمال الجهاديين لتحقيق أهداف سياسية وقتالية وهو ما فعله في أفغانستان؟
بالطبع لا.
وضعوا بمعاونة السعوديين كل جهدهم لإرسال جهاديين إلى أفغانستان لطرد السوفيات. نرى اليوم ما يحصل في أفغانستان حيث استدرجتهم كتائب الجهاديين لحرب منهكة بعد ضربة إرهابية في عقر دارهم في نيويورك ١١ أيلول.
لم يتعلموا الدرس. أسقطوا سياد بري في الصومال بواسطة «الشباب» الذين ما أن وضعوا يدهم على البلاد حتى أعلنوا البيعة لتنظيم القاعدة.
لم يتعلموا الدرس. دعموا انشقاقات في اليمن بسبب خلاف على النفط والحدود بين السعوديين ونظام عبدالله صالح، فتغلغلت الأصولية وقوات القاعدة في البلاد وهي تسيطر اليوم على جزء كبير منها.
لم يتعلموا الدرس. عندما انتبهوا إلى أنهم متحالفون مع أنظمة ديكتاتورية فضلوا «تسهيل» وصول إسلاميين ولو متشددين بدل ديموقراطيين يطرحون «ألف سؤال وسؤال» حول الديموقراطية وحقوق الإنسان وحول فلسطين.
قدموا السلاح للثوار حاملي اللحى الكثيفة في ليبيا فانتشرت الأسلحة طوال الساحل الكبير، واجتاح تنظيم القاعدة نصف دولة مالي …وباتت الصحراء الكبرى الجزائرية ونصف الصحراء الليبية والمصرية مرتعاً لتنظيم القاعدة. وما لا يقوله الإعلام هو أن «التنقل سهل جداً» في مناطق سيطرة القاعدة التي باتت مساحتها الأكبر بين الدول العربية.
ينتقل الجهاديين من ليبيا إلى مصر إلى الأردن إلى سوريا … وإلى لبنان عندما يشاؤن كما يشاؤن. ولا يتردد البعض في دعمهم بالمال والعتاد وصولاً لأهداف ضيقة.
اليوم هم في بيروت. يطلقون النار على الجيش اللبناني. يبحثون عن الثأر لمعركة نهر البارد.
ولكن ليس فقط هذا ما يبحثون عنه.
في لبنان تتجمع كل أهداف الجهادية السلفية: يوجد مسيحيون. يوجد شيعة.  توجد قوات غربية (اليونيفل). توجد حدود مع الدولة العبرية (اليهود). توجد حدود مع سوريا حيث (اليوم) المعركة الكبرى مع العلويين.
رغم كل هذا لم يتعلموا الدرس. ليس فقط أميركا والغرب. ولكن أيضاً قوى الخليج وفي مقدمتها قطر وخصوصاً السعودية. هل تظن المملكة أنها قضت على الجهاديين على أرضها؟ هل تظن أن السلفية المقاتلة حاملة السلاح سوف تترك أمراءها بحالهم عندما «تستتب لها الأمور» في المناطق «المحيطة ببلاد الإسلام». هل نست السعودية مطالب بن لادن الذي لم يخف يوماً أن هدفه الأول هو «تطهير أرض الإسلام».
اليوم في بيروت بات طبيعيا أن تنقل الوكالات خبر «تراشق بين الجيش وأصحاب اللحى الجهاديين».
في بيروت اليوم الجميع يلعب بالنار. من أنزل هؤلاء السلفيين إلى الشوارع يتصرف مثل السعوديين مثل أميركا. هؤلاء« يُلْدَغون مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ آلاف المرات » ولا يتعلمون.