طانيوس دعيبس
• في الإغتيال :
كل المؤشرات تذهب باتجاه ترجيح كون اغتيال اللواء وسام الحسن، رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي في لبنان، بداية لسلسلة. فهو ليس مجرد انتقام من شخص مزعج للذين اغتالوه، بقدر ما هو رسالة إلى الداخل اللبناني وإلى الخارج. فعلها في الداخل كرّس ضعفه، والخارج أجاب برسالة مضادة مفادها تمسكه بالدفاع عن استقرار لبنان وعدم قبوله بكونه ورقة تفاوض ( البيان المكتوب لسفراء الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ). وفي حين برز شبه إجماع في بيروت على ربطه بملف الوزير السابق ميشال سماحة، فقد شكّل دليلاً إضافياً على استحالة نجاح سياسة النأي بالنفس عن الأزمة السورية.
• في الأمن :
لم تقدر عملية الإغتيال على تغيير المعطى القائم في القيادة الأمنية، إذ تم تعيين العقيد عماد عثمان في الموقع الشاغر باستشهاد اللواء الحسن. والرئيس الجديد لفرع المعلومات هو استمرار متطابق للرئيس الذي استشهد. وقرار تعيينه إتخذ مباشرة بعد جريمة الإغتيال، وأعلن عنه في اللحظة الأولى التي تلت مراسم الدفن. لا فراغ في المؤسسة، والرئيس الجديد يكمل من حيث انتهى ما سبقه، ولا وقت يعطى للراغبين بتعديل التوازن في القيادة الأمنية ليضغطوا على التعيين الجديد..كما طمان مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي من كان في نفسه شكوك بان الأمن مؤسسة وليس شخصاّ، وأن ما كان يعرفه اللواء الشهيد تعرفه المؤسسة ولا شيئ يضيع..
في الأمن أيضاً القرار السريع والحازم بتصدي الجيش بالنار للمسلحين في بعض الشوراع، وتحديداً في بيروت. هذا القرار، الملفت بفعاليته والمغطى سياسياً، منع الإنزلاق نحو المجهول، وحال دون جميع أصحاب المصلحة في إشعال الوضع في لبنان من تحقيق رغباتهم.. دون ان يعني ذلك طبعاً بأنهم سيكفون عن هذه المحاولات، خصوصاً إذا صح التقدير بأن جريمة الإغتيال جزء من سلسلة..
• في السياسة :
كشفت جريمة الإغتيال الضعف السياسي في لبنان. ضعف السياسة وضعف السياسيين. هزّ انفجار الأشرفية المنطق السياسي، فأسيئ استخدام لحظة الإنكشاف الأمني، وانفضاح أهداف زعزعة الإستقرار في لبنان، وجرى دفع الإنقسام السياسي الحاد والساخن أصلاً إلى حدود المواجهة المفتوحة. دخل الصراع بين اللبنانيين في أزمة سياسات الطرق المسدودة. كل طرف يرفع شعارات غير قابلة للتحقق. أو هو لا يملك وسائل تحقيقها. لا أحد يعرف بعد كيف ستتمكن قوى 14 أذار من إسقاط الحكومة. لا توجد أية آلية مقترحة من أجل الوصول إلى حكومة إنقاذ حيادية كما تطالب هذه القوى. وفي المقابل، لا أحد يفهم أهداف سياسة الإستفزاز السياسي اليومية التي يمارسها بعض تحالف 8 أذار. ولا كيف سيستطيع رئيس الحكومة الإستمرار في تشبثه بها في ظل مقاطعة نصف اللبنانيين له ولها. اصلاً طبيعة الأزمة السياسية لا تختصرها الحكومة بمكوناتها وأدائها. مصدر الأزمة اللبنانية في هذه المرحلة هو الأزمة السورية. فهل يمكن عبر الدفع نحو أزمة حكومية مواجهة مصدر التأزّم ؟
في السياسة، برز التحرك السريع للمجتمع الدولي ( مجلس الأمن، امين عام الأمم المتحدة، الإتحاد الأوروبي..). جميعهم أعلنوا بوضوح، وبتصريحات مكتوبة، الإصرار على رفض كل ما يؤدي إلى تهديد الإستقرار في لبنان. والرسالة كانت واضحة: لا مغامرة في الداخل، وعلى اللبنانيين الإتفاق فيما بينهم. ولا قبول لمحاولة تصدير الأزمة السورية إلى لبنان.
كيف يتفق اللبنانيون فيما بينهم وهم على هذه الحالة من القطيعة والمقاطعة والسقوف العالية من الشروط والشعارات ؟ جواب وحيد : ميشال سليمان. بات رئيس الجمهورية حاملاً لكرة النار. وجهة الحركة السياسية تقود إليه اليوم. وبما أن وسائل الخروج من الأزمة غير متوفرة، عليه أن يبتدع وسائل إدارتها. وليس عبر طاولة الحوار. بل ربما عبر قلب هذه الطاولة على من عليها.