طانيوس دعيبس
الأزمة السياسية المفتوحة التي دخلها لبنان بفعل جريمة إغتيال اللواء وسام الحسن، دخلت في نفق طويل لا يبدو انه يفضي إلى مخارج ظاهرة في المدى المنظور. بيان قوى الرابع عشر من أذار الذي أعلن أمس لا يؤدي إلى غير هذا الإستنتاج. المقاطعة الشاملة التي قررتها هذه القوى، هي قطيعة مع ما وصفته بالواقع المفروض. وبالتالي فإن اي تسوية تنطلق من مبدأ استمرار هذا الواقع هي تسوية مستحيلة.
الذين يتشكل منهم هذا الواقع، والمتمثلون في الحكومة أساساً، يعتبرون استمراره ضرورياً، ويتصرفون على اعتبار ان الوضع السياسي في البلاد لا يحتاج إلى أي تغيير فيه. وبالتالي فهم يرفضون أي تسوية تقوم على مبدأ تحميلهم مسؤولية الأزمة.
حرب باردة كاملة بدأت بين المعسكرين. خطوط التماس فيها واضحة. الخنادق المتقابلة منصوبة. التفاوض مقطوع. والوسطيون ينزلقون تدريجياً نحو انقطاع حيلهم وفقدان قدرتهم على الحفاظ على التوازن الهش والسلبي بين المتخاصمين. ويجب عدم توقّع ان تأتي معجزة الحل من بعبدا.
لقد سبق وأشرنا إلى أن جريمة الإغتيال زادت في انكشاف ضعف السياسة وضعف السياسيين في لبنان. وهو ضعف يعود في الأساس إلى ضعف النظام السياسي المتأصل في بنيانه. ليس فقط بسبب ركيزته الطائفية، بل أيضاً بسبب عدم قدرة مؤسساته على الإنتظام ضمن هرمية واضحة وفعّالة في إنتاج القرار الوطني. لهذا السبب يبدو مفهوم طاولة الحوار الوحيد المتوفر لنظام سياسي مهزوز، كي يسعى من خارج مؤسساته إلى إيجاد توازنات مستحيلة بين المكونات السياسية المتناحرة. ويكون من العبث بالتالي تحميل رئيس الجمهورية مسؤولية إنتاج هذا القرار من خلال مشاورات مسدودة الأفق . لأن موقع الرئاسة يكاد يتحوّل إلى صندوق شكاوى، أو بالأحرى صندوق مطالب وشروط من جانب القوى السياسية غير قابلة للتحقّق. ولا يجوز بالتالي، إذا لم يكن من المستحيل، أن يدعى الرئيس إلى خلط هذه التعجيزات ببعضها البعض، وأن يمارس السحر لكي يُخرج أرنب الحل من جيبته بواسطتها..
الحكومة الحالية، بمكوناتها وأدائها، هي مجرد تعبير عن الأزمة الكبيرة التي تضرب لبنان اليوم. مصدر الأزمة في هذه المرحلة هو الحدث السوري، لكنه أيضاً وفي كل مراحل السنوات الأخيرة، كامن في استعصاء التوافق الداخلي بين مشاريع لاوجود لأرضية مشتركة تجمعها، ولا يستطيع أي منها تأمين ارجحية حاسمة لمصلحته. وقد أعاد بيان قوى 14 أذار أمس التأكيد على هذا الإستعصاء. فمن يتوقّع أن تتحوّل الدولة اللبنانية اليوم، بموازين القوى التي فيها، الى دولة مواجهة مع النظام السوري وإلى دولة رادعة لحزب الله وحلفائه ؟
على الأرجح ان رسالة مواقع التأثير الغربية الواضحة لم تصل. لقد قالت إن الدخول في الفراغ ممنوع لأنه يضرب الإستقرار. وأن أولوية الإستقرار في لبنان تستدعيها أولوية التصدي للوضع السوري. الرابط هناك، وليس في الصراع الداخلي بين اللبنانيين، الذين عليهم ان يتفقوا على حكومة تدير أزمتهم ريثما ينقشع الضباب السوري. هذا هو منطق الموقف الدولي، الواضح والسريع والمبادر والحاسم.، بغض النظر طبعاً عن “السياسوية” اللبنانية التي تسعى إلى تفسيره وفق رغبات المكان الذي تقف عليه. غير انه منطق لم ينطبق على حسابات الحقول اللبنانية التي تنتظر بيادر قد يصل غودو قبلها.
هل من مخرج ممكن امام هذا المشهد ؟ نعود إلى رئيس الجمهورية.. كل القوى تحتاجه اليوم لأنها عاجزة عن الحركة إلى الأمام أو إلى الوراء، لكن من دون أن تتخلى عن شروطها ومطالبها. وهنا قوة الرئيس، عبر قوة المؤسسات، وليس عبر طاولة الحوار. قوته هي كما قلنا في قلب هذه الطاولة على من عليها. ومن دون شك أن الرئيس يعرف الأزمة وطبيعتها والقوى السياسية ومشاريعها وموازينها وقدراتها.. فلماذا لايحملها كلها ، مع استنتاجاته وخلاصاته، ويستخدم الحق الذي أعطاه إياه الدستور وينزل إلى المجلس النيابي ليخاطبه وعبره اللبنانيين ويقول لهم : إن إمكانية الخروج من الأزمة غير متوفرة، لكن هذه هي توجيهاتي من أجل حسن إدارتها..وليتحمّل الجميع ساعتئذ مسؤولياتهم..