- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

نسكافيه

علي السقا

لا تكف الأم عن طرح الاسئلة على ابنتها كلما همّت الاخيرة بالخروج من البيت. ليس الخوف على الابنة وحده ما يدفع بالأم إلى الالحاح في السؤال. قد يكون فضولاً ما يدفعها لمعرفة كل شاردة وواردة عن حياة ابنتها. بأي حال، لم تلم الابنة أمها يوماً، تماماً مثلما لم تنتظر عوناً من أحد، حتى أقربائها، طوال حياتها. لا أخفيكم ان كثيراً من الرجال يحسدونها على صلابتها. من قال أن المهمات الصعبة خلقت للرجال وحدهم؟ ومن قال أن كل رجل قادر على مواجهة الصعاب مثلما فعَلَت؟ دعونا لا نخوض في هذا النقاش. فهي ليست في حاجة لمن يدافع عنها. صراحة، المسألة لا تعنيها من قريب ولا من بعيد. تحسّ بأنها لن تتزوج زواجاً تقليدياً.

– ” ألو!”

– ” ألو، كيفِك؟”

– “منيحة، انتَ كيف؟”

– ” منيح، عم تسوقي؟”

– ” اي طالعة عالبيت”

– ” الوقت كتير متأخر، انتبهي عالطريق”

– ” خليك معي عالخطّ لأوصل”

– ” … أنا معك”

لا أعرف لماذا كانت تطلب اليه أن يبقى معها على الهاتف، رغم أنها ليست في حاجة اليه. أعتقد أن ثمة شيئاً كان يتحرك في داخلها. إنه الحبّ… لا. لا. لن أسمح لنفسي بإفتراض كهذا دفعة واحدة. صحيح أن ذمة الراوي واسعة. لكني لن العب هذا الدور هنا. فأنا قاصّ على أكثر تقدير. حسناً يا أعزائي. سنقول أنها كانت واحدة في تلك المرات المتكررة التي طلبت فيها ألاّ يقفل الخط ريثما تصل الى المنزل، ثم تصعد السلالم بسرعة قبل أن تودعه وهي تلهث قائلة “باي”، أنها كانت في حاجة لمن يسليها حتى تقطع الطريق الطويلة من عملها الى بيتها في وقت متأخر من الليل. لم يعجبكم هذا الاستنتاج؟ لماذا؟ ما الضير لو كانت هذه هي حاجتها فحسب؟ كلنا اصحاب حاجات. لكن بالتأكيد ليست كل حاجة، حباً.

فلنكمل ما بدأناه. لكن هذه المرّة دعونا نتحدث عنه قليلاً. اذ لا يصح أن نتناول في حديثنا أحد طرفي القصة دون الآخر. هو شاب يعتقد أنه لن يستطيع أن يحيا بلا حبّ. وعندما يفتقد من تشاركه هذا الشعور، يحبّ نفسه. هذا ما كان يفصح عنه متباهياً.

– ” صباحكِ سكّر … “

– ” صباح الفلّ”

– ” بتعرفي انو صرت عم اسمع كاظم الساهر كتير؟”

– ” وأنا بحبو”

– ” لا لا مش هيك. القصة انو في كم اغنية صرت بس اسمعهن بتذكرك. “صباحك سكّر”، من الصبح لهلق سمعتها شي عشر مرات. وبكل مرة بكون عم قلّك صباحك سكّر… مشتقلك قد الدني”

آها!! ماذا قلت؟ هل سمعتم ما قاله لها لتوّه؟ صاحبنا مشتاااااااق يا بشر!

– ” … أنتَ صرت بحياتي متل فنجان النسكافيه”

-” شوووو؟ أنا فنجان نسكافيه؟”

– ” لو بتعرف شو بيعنيلي فنجان النسكافيه الصبح”

– ” وشو بيعنيلك اسم الله؟”
– ” ما فيني بلش نهاري بدونه، بضيع”

– ” يعني!”

-” يعني أنتَ صرت شي اساسي بحياتي … اشتقتلَك”

فليساعدني أحد أرجوكم. أكره ان اخطىء، ويبدو أني أخطأت من البداية. يشتاق اليها وتشتاق اليه. هذا يعني أنها كانت تشتاقه كثيراً حتى تتصل به في اثناء عودتها الى البيت. لم يكن الأمر مجرد تسلية اذاً. طيب، وكيف تسير أموركما أيها المشتاقون؟

– ” صرلي أسبوع ناطر. كل يوم عم احسبو بالدقيقة”

– ” شو عامل، اي ساعة بتخلّص؟”

– ” مش مهم بطلب اذن وبترك الشغل بكير. لعيونك الحلوين كلو بصير”

– ” أوكي. منيح عالساعة 9 ؟”

-” منيح، بدنا نلعب دقّ برجيز وبدي اغلبك. بدي كون لئيم معك باللعب اكتر منك”

– ” ما بيطلعلك معي حبيبي. روح تعلم اللعب وبعدين تعا”

-” بالله شو؟ أنا بفرجيكي “

-” ههههههه”

-” هيدي الضحكة شو بحبا. ضلكّ ضحكي بدي اسمعها”

-” كل شي فيك الي”

-” أنا الك”

– ” لو بتسمي كل الاشيا، رح قلك كلها الك”

– “ بحبِك”

-” بحبَك”

أوووه. رأسي يكاد ينفجر. ربما عليّ في هذه اللحظة أن أتوقف عن الكتابة. كل هذا حصل في السرّ عني وأنا لا أعلم؟ يتحابان، يتلاقيان، يشربان اليانسون، يلعبان “البرجيز”، يتمازحان، يتغازلان، وأنا مثل الأطرش بالزفّة. على كلّ حال، سأتابع وأمري لله.

– ” حبيبي، علينا التحدث في كيفية ترتيب علاقتنا”

– ” أكيد”

-” لقد بلغت من العمر ما يكفي ليمنعني من الدخول في علاقة لا أعرف كيف ستنتهي. لا أريد أن اتألم ثانية. إحتجت إلى ست سنوات لأقفل الباب على مأساة العلاقة السابقة”

-“……”

-” لم الصمت؟”

-” أتفهم وضعك. لكني لست في صدد الزواج حالياً. أو على الاقل يلزمني وقت لأفكر”

-” قد يكون فارق السنّ مشكلة”

-” لا . أنا حرّ وأفعل ما أشاء. فلنترك الأمور تسير على هداها، ثم نرى الى اين نصل”.

هكذا اذاً! ستترك الأمور تسير ثم ترى الى أين تصل. قد تكون حراً لتفعل ما تشاء. لكن الوقت ليس طيّعاً الى هذا الحدّ يا عزيزي!تستطيع أنت يا فالح أن تطوي صفحة وتمضي. أن تحب مرة وإثنتين وثلاثاً ثم تتزوج أو تعتكف، أما هي فلا. لا أرى أنكما ستستمران على هذه الحال طويلاً!

-” بتزعل اذا فلينا؟”

“لا”

…..

– “إحكي شي، ليش ساكتة؟”

– ” شو بدي أحكي؟”

-” خلص ما شي”

– “لوين رايحين؟”

-” ما بعرف ما في وجهة محددة. أنا تعبانة وبدي روح عالبيت. بليز من دون زعل”.

-” … خلص وصليني عالبيت”

….

– ” نزليني هون”

– ” لا معليش بقرّبك”

-” باي” قالها بعصبية قبل أن يغلق باب السيارة بعنف ويمضي.

-“باي”

….

-” أنا زعلان وأنا يلي بدي راضيكي؟ خبريني كيف بترضي؟ احكي أي شي بس ردي. يلي بحبّ هيك بيعمل؟”

-” سكوتي أفضل من كلامي هالفترة. إسمحلي بوقت لحالي”

-” اوكي. بكل الاحوال بتهمني راحتك”

-“ان شا الله”

ألم أقل أنكما لن تستمرا على هذه الحال؟ لكنك لم تنصت. كان عليك الاقتناع من البداية بأن الحبّ وحده لا يطعم خبزاً. حسناً أيها التعيس، اسمح لي أن أخبرك ببعض الاشياء المهمة. من المفترض أنكما لم تتواصلا منذ وقت، وهذا طبيعي. لا يعني أنها ليست مشتاقة اليك، مثلك تماماً. لكنها محقّة في محاولتها الابتعاد عنك. تريدك ذكرى عابرة، وإن أمكنها شطبها، ستفعل. فالعيش مع واقع لا ينبىء بغير الألم، موت مبكر. سأنصحك وأتمنى أن تعمل بنصيحتي. إذهب اليها الآن أو هاتفها. لا يهم كيف، لكن إفعل ما سأقوله لك. حدثها صراحة بهذه الكلمات:” حبيبتي. وقت مضى لم نلتق ونتكلم. أعذريني على حماقتي لأني عجزت عن تغليب المنطق. قضينا وقتاً ممتعاً فيه الكثير من الحبّ. لا أكتمك أني ما زلت أحبك. لعل الظروف الخاصة بنا لم تمنحنا فرصة المضي في هذه العلاقة وقتاً أطول. لا بأس. لم علينا التنكر لكل هذا الربيع الذي نما بيننا؟ لم علينا أن نعود غريبين؟ بإمكاننا أن نصنع من هذا الحبّ ما يفوق علاقة تسعين لجعلها من الماضي. صداقة او صحبة او معرفة وثيقة بين شخصين. دعينا لا نطلق عليها تسمية. لن يخاف عليك، غير أمك طبعاً، أحد مثلي. إني أنتظر كوبين من اليانسون الساخن نحتسيهما. ضغوط الحياة كثيرة. أعلم أننا متعبان للغاية. فإلى اللقاء”.