- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

فيلم رعب ليبي

زاوية حادّة
حسام كنفاني
ليبيا طوت صفحة معمر القذافي، هذه حقيقة ما بعد الثورة في البلاد. غير أن نهاية الزعيم الليبي لم تكن بتلك الصورة المثالية التي كان من المفترض أن تقدمها الثورة، باعتبارها ممثلة لربيع يزهر ديموقراطية وعدالة وحرية، وتؤسس لدولة مؤسسات، ولاسيما ان الانتفاضة كانت ضد الديكتاتورية والقمع واختصار الدولة بالفرد.
صور معمر القذافي حياً، ثم إعلان موته، فتحت الباب أمام الكثير من الأسئلة حول نهاية الزعيم الليبي السابق، الذي بات من المؤكد أنه تمّت تصفيته، بغض النظر عن الروايات الكثيرة التي تحدثت عن محاولته الفرار أو مسعاه إلى استخدام سلاحه. روايات لا تتطابق مع المشاهد المصورة للحظات الأخيرة لـ”العقيد”. لحظات أظهرت القذافي وحيداً منهزماً بلا حول ولا قوة، يهذي بكلمات أخيرة وحوله مجموعة كبيرة من المقاتلين المعارضين.
للوهلة الأولى تحوّل الديكتاتور إلى ضحيّة. كثيرون ممن شاهدوا الصور أحسوا بالتعاطف مع “العقيد”. الثواني القليلة للشريط المصور كانت كفيلة في التغطية على أربعين عاماً من حكم الحديد والنار. الجلاد الذي صفى رفاق سلاحه بين ثورة الفاتح واعتقل وقتل معارضيه واختصر الدولة في شخصه، أصبح لدقائق ضحيّة المقاتلين المناوئين له.
قد تكون هناك مبالغة في مثل هذه الصورة، ولاسيما للمتابع من الخارج، الذي لم يعايش ما عاناه الشعب الليبي خلال سنوات حكم العقيد، ولم يواجه القصف والقمع والقتل الذي لجأ إليه القذافي لقمع الانتفاضة التي أدت في النهاية إلى قتله. كثيرون استغربوا مشاهد الفرح التي كانت تعم طرابلس ومصراتة وبنغازي لإعلان قتل القذافي أو إعدامه، إلا أن المشاهد توحي لا شك بحجم ما كان يعاني منه هؤلاء طوال السنوات الماضية، التي كانوا خلالها معزولين عن العالم.
لكن وبغض النظر عن المعاناة وحجمها، وعن المشاعر التي يحملها الليبيون، سواء كانوا مقاتلين أو اناساً عاديين، إلا أن مشهد “نهاية العقيد” كان من المفترض أن يكون مختلفاً. مشهد لا يقدّم صورة مشرقة عن ما ينتظر ليبيا في قادم الأيام، بل يعطي انطباعاً بأن البلاد مقبلة على سيناريو مأساوي تنقسم فيه الصورة بين طبقة سياسية وأخرى عسكرية، هي صاحبة الأمر والنهي في البلاد، وخصوصاً في ظل حال فوضى السلاح التي باتت منتشرة. فوضى ترافقها انتهاكات كانت محط انتقاد من مقاتلين منضوين في صفوف “الثوار” أنفسهم.
“تصفية العقيد” أكدت على أن الفوضى وانفصال السياسي عن العسكري في البلاد باتا واقعاً مصوّراً وليسا مجرد تحليلات. ورغم محاولات الطبقة السياسية التغطية على التصفية وتقديم مبررات لها، إلا أنها لم تخف الامتعاض وفقدان السيطرة على الأرض، الذي قد يكون من الصعب احتواؤه مستقبلاً.
مشهد “نهاية العقيد” ليس هو النهاية السعيدة لليبيا الجديدة، بل مجرد بداية لسيناريو فيلم، قد يكون مرعباً، ويذكر بتجارب سابقة من الصومال إلى أفغانستان.