- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

غرب أعمى وإسرائيل حمقاء

نقطة على السطر
بسّام الطيارة
هل أطلق بنيامين نتانياهو حملته على غزة لأسباب انتخابية؟ من الصعب جداً الإجابة على مثل هذا السؤال خصوصاً وأن سؤالاً آخر يوازيه: ماذا يمكن أن تكسب «حماس» من هذه المعركة ولماذا لم تسيطر، كما هي العادة، على «الجماعات السلفية» التي كانت وراء إطلاق الصواريخ الأولى على سيارة عسكرية عبر الشريط الحدودي؟
سؤالان يعتما على سؤال ثالث: أين السلطة الفلسطينية من كل هذا؟
عمدت حكومات إسرائيلية سابقة إلى استعمال استراتيجية «توتير الوضع الأمني» عبر حملات عسكرية كبرى رداً على تحرشات صغرى: في ١٩٩٦ أطلق شمعون بيريز عملية «عناقيد الغضب» على لبنان، وفي عام ٢٠٠٨ أطلق تحالف كاديما عملية «الرصاص المصهور» على غزة، وفي المرتين لم تأتي النتائج مطابقة للتوقعات وفي المرتين خسر الفريق الحاكم الانتخابات، وكان اليمين المتطرف هو الرابح.
اليوم اليمين يحكم إسرائيل، فهل يرتكب نتانياهو نفس الأخطاء السابقة، ويدخل في حرب شبيهة بحرب ٢٠٠٦ على لبنان كي «يسترد مبادرة الردع» كما ادعت إسرائيل حينها وتدعي اليوم؟
بالطبع توجد أسباب متعددة ومتشابكة للحرج الذي دفع برئيس حكومة يميني ووزير الدفاع العمالي إيهود باراك، للانطلاق في مغامرة عسكرية تخلط الأوراق في منطقة الشرق الأوسط، الذي يعيش مرحلة فوضى «ما بعد الربيع العربي».
أول هذه الأسباب التغيير الجذري في مصر الذي أوصل إلى الحكم «الإخوان المسلمين» وهم الأصل الذي يمتد منه الفرع أي «حماس». إذ أن الحكم الجديد في مصر رغم تأكيدات متواصلة بأنه سوف يحترم اتفاقية السلام الموقعة من قبل السادات الذي قتل على يد أحد خلايا الحلقة الإسلامية، لا يحترم تفاصيل هذه الاتفاقية: فهو أدخل قوات إلى سيناء خلافاً للبنود الاتفاقية، وفتح معبر رفح ويغض النظر عن مساعدات تصل إلى داخل حماس من سيناء، ومن المستبعد جداً أن تعيد القاهرة الحرارة إلى جسم علاقاتها مع الدولة العبرية.
ثاني هذه الأسباب الثورة التي تعصف بسوريا والتي جعلت المقاتلين الجهاديين في وضعية قوة على الحدود الشمالية، بينما التحركات والاحتجاجات في الأردن تواكب التحذيرات من «هيمنة الإسلاميين» على مقاليد الأمور في المملكة الهاشمية على الحدود الشرقية لإسرائيل، ناهيك عن التوتر القائم على حدودها مع لبنان بوجود خصمها العنيد «حزب الله» الذي لا يمكن التكهن بموقفه في حال اندلاع مواجهة مع إيران.
أمير قطر الذي يدعم الموجات الإسلامية في الربيع العربي زار غزة. وتونس المنفتحة سابقاً على الدولة العبرية باتت رأس حربة التنديد بها، بينما ليبيا باتت ترسل مقاتلين جهاديين إلى سوريا وتنظيم القاعدة بات حسب قول وزير الدفاع باراك «يتوسع في هضبة الجولان».
تنبهت حكومة إسرائيل إلى أنها باتت محاصرة، وأن نوعية الحصار قد تغيرت فلم يعد  فقط حصاراً يعتمد لغة العداء السياسي المبدئي بل بات حصاراً عدائياً يعتمد على صواريخ  ويستند إلى «موجة إسلامية حاكمة» في عدد متزايد من الدول العربية. لقد انتبهت إسرائيل إلى أن «الشارع العربي المناضل بالكلام» أصبح «شارعاً إسلامياً يحارب بالصواريخ».
إسرائيل التي واجهت كل هذه المعطيات التي فرضت نفسها في غضون أقل من سنتين كان عليها «قلب طاولة الحصار» الذي بات يضيق حول حدودها.
أما حماس فهي الرابحة الكبرى أياً كانت النتائج: رابحة سياسياً أمام الرأي العام العربي المتحول إلى إسلامي. ولا يمكن لحماس أن تكون خاسرة أياً كان الخراب الذي يمكن أن تخلفه حرب إسرائيلية جديدة، فخراب حرب ٢٠٠٨ ما زال موجوداً بسبب حصار إسرائيل.
الخاسر الأكبر هي السلطة الفلسطينية. عباس يستعد للذهاب إلى الأمم المتحدة للحصول على «كرسي صغير كدولة غير عضو» ولكنه يبدو جلياً اليوم أنه غير قادر على التحكم بمصير شعبه على الأرض. لا يملك إلا الصراخ والتنديد والتنقل في الطائرة من عاصمة إلى أخرى، بينما «الحدث  التاريخي» يحصل في غزة وفي تظاهرات مؤيدة لحماس في الضفة الغربية.
ولكن. يوجد خاسر أكبر: الغرب.

هذا الغرب الذي ينظر ولا يبصر. يتدلل في إعطاء السلطة الفلسطينية ما هو أقل بكثير من أدنى الحقوق، ينصاع لمطالب إسرائيل المُعَجِّزة فيضعف سلطةً يمولها ويريد أن يجعلها مفاوضاً على وطن لم تعد تمتلك منه إلا نثرات. خاسر هذا الغرب لأنه فشل فشلاً ذريعاً في سلك طريق الحق والقانون الدولي لإيجاد حل للفلسطينين.

هذا الغرب يمكن أن يدفع غالياً ثمن غياب بصيرته ورعونة إسرائيل.