- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

إسرائيل: عهد جديد

هارولد هيمان
عندما باشرت إسرائيل عملية «الرصاص المصهور» لم تكن قد تلقت مثل هذا العدد من الصواريخ الذي يصيب اليوم الأراضي الإسرائيلية. إبان حكم «إيهود أولمرت» دامت الحملة العسكرية ثلاثة أسابيع لتأديب القطاع الذي ليس بحوذته لا طائرات ولا بحرية ولا دبابات ولا مدفعية ثقيلة … ولكن كان يمتلك عدداً كبيراً من الصواريخ.
وقد تسببت حرب ٢٠٠٨ بمقتل ١٤٠٠ فلسطيني (تقول إسرائيل فقط ١٢٠٠ بينهم ٧٠٠ «إرهابي») و١٣ إسرائيلي (بينهم ٤ بنار صديقة حسب قول إسرائيل). وقذفت الدولة العبرية في هذه الحرب آلاف القنابل ، ودخلت قوات الكوماندوس إلى المخابئ لتفجيرها. وشكلت هذه الحرب تجربة رهيبة لأولمرت الذي كان مستعداً لمفاوضات وتبادل أراضي مع السلطة الفلسطينية، خصوصاً أنها تأتي بعد حرب صيف ٢٠٠٦ مع لبنان. وهكذا بات أولمرت ضحية تاريخية في لعبة حظ خسرها.
يبدو المواطن الإسرائيلي تعباً من ذه الحروب التي لا توصل إلى حل ولا تأتي بسلام، هذا لا يعني أن الأكثرية باتت مسالمة، لا بل أن كل هذه الحروب التي لا تأتي بحلول يمكنها أن تدفع نحو رغبة تدمير شاملة لمقدرات عدوهم.
كان نتانياهو فخوراً قبل ثلاث أسابيع عند مروره في باريس بأن بلاده عرفت نوعاً من السلم تحت قيادته. ولكن خلال دقائق معدوة اندثر هذا الواقع، وها هو يتوجه نحو غزوة جديدة … بل لنقل نحو عملية برية لأن الجيش الإسرائيلي لن يستطيع، ولا يود  البقاء طويلاً في غزة.
من هنا لا يبدو لي أن تأكيدات الفلسطينيين بأن هذه الحرب هي حجة انتخابية هي تأكيدات صائبة.
إنها حرب تتردد إسرائيل في خوضها. قد تفعلها بعد دقائق أو ساعات ولكنها تعيش حالة تردد. ومن السهل فهم أسباب هذا التردد: «مصر مبارك» انهارت، تركيا باتت معادية لكل ما هو إسرائيلي، وحتى أمير قطر الذي تحوم شبهات حول معاداته لإسرائيل تقرب من «حماس» ويكيل لها المديح وكلل ذلك التقارب بزيارة للقطاع. أضف أن الحكومات العربية غير قادرة اليوم على التحكم في «الشارع العربي». ويعلم الجميع قوة هذا الشارع في ما يتعلق بإسرائيل.
وفي حال كانت إيران تريد تحويل الأنظار عن برنامجها النووي لما كان أمامها أفضل من هذا السيناريو، خصوصاً بعد التسريبات الأخيرة حول تقدم في تخصيب اليورانيوم. أضف إلى أن مساعدة نظام بشار في سوريا من قبل «الحرس الثوري» هي من ثوابت السياسة الخارجية الإيرانية، وذلك في سعي أركان النظام لبناء «فضاء حليف» في العراق حيث عاد الشيعة لاحتلال موقف متقدم وفي «سوريا الأسدية» وفي لبنان حيث دور حزب الله لا يخفى… ولدى «حماس» المرتبطة عسكريا به.
وكاد هذا الفضاء ينهار بسبب الثورة السورية، وكان على النظام الإيراني أن يوقف هذا الانهيار بسبب فقدان بشار للمبادرة. حزب الله كان عاجزاً عن التحرك رغم اغتيال جهة غير معروفة لأحد خصومه «الجنرال وسام الحسن» رئيس شعبة المعلومات. كما أن معلومات تقول بأن «حزب الله» كما قسم كبير من اللبنانيين بدأ يتحول ويبتعد عن إيران. وبشار الأسد لم يعد يستطيع المساعدة. حماس فقط يمكنها ذلك. فحماس تمثل صلة وصل بين الراديكالية السنية والراديكالية الشيعية.
إذا يمكن القول إن غزة باتت المكان الوحيد الذي تستطيع قوى جهادية أن تعمل إلى جانب مؤيدين لإيران خدمة لأهداف موحدة «الخلاص من إسرائيل».
هل يريد حكام إسرائيل تسديد خدمة لهؤلاء؟ بالطبع لا، حتى ولو كان الثمن المفروض دفعه هو تلقي المدن الإسرائيلية مئات الصواريخ.
إن تردد إسرائيل هو مبدأ جديد مبني على «الدفاع عن النفس بتروي» وهو ما يمكن ترجمته بـ«عدم الوقوع بفخ الآخرين والاكتفاء بضربات عن بعد».
التخلص من الآخر بات أمراً مستحيلاً. هذا هو العهد الجديد.
Harold Hyman