- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

نوستالجيا لينكولن

واشنطن- نجاة شرف الدين

في فيلمه الأخير ” لينكولن”، عاد المخرج المعروف ستيفن سبيلبرغ بالحنين الى الأميركيين، لمرحلة شكلت تحولا في تاريخ أميركا، وهي العام 1865، حيث أنهت أميركا حربها بين الجنوب والشمال، وشرع الكونغرس قانون منح الحرية للأميركيين من العرق الأسود. قرار التخلص من مرحلة العبودية، والذي نقل أميركا من مرحلة الى أخرى، دفع ثمنه من حياته الرئيس الأميركي إبراهام لينكولن، لكنه بقي في قلوب وعقول الأميركيين، صانع التاريخ، ورجل القرارات الجريئة التي رفض المساومة عليها.

شخصية لينكولن التي جسدها الممثل الإيرلندي “دانيال داي لويس” وبرع في أدائها، حاول البعض تشبيهها بشخصية الرئيس الأميركي باراك أوباما، ولكن هذه المرة من زاوية الإصرار ومحاولة تمرير القرارات في الكونغرس، حتى ولو لم يكن يملك الأكثرية فيه. أوباما، الذي حرص على مشاهدة فيلم سبيلبرغ في البيت الأبيض، يبدو أنه يستسيغ هذا التشبيه، ويحاول أن يقدم مقاربة تشبه الى حد ما مقارية لينكولن في القيادة وفي فن ممارسة السياسة وتمرير مشروع قانون تحرير السود من العبودية، ربما التوقيت يختلف عن مرحلة الحرب الأهلية الأميركية، إنما مواجهة الوضع الإقتصادي أزمة حافة “الهاوية المالية” اليوم والذي يشغل الأميركيين، ينذر بعواقب يمكن، إذا لم تعالج، أن تنعكس على مستقبل أميركا.

الرئيس الأميركي الذي إستطاع أن يمرر قرار العناية الصحية في فترة ولايته الأولى والذي أجل وبالاتفاق مع الجمهوريين معالجة التسوية المالية الى نهاية العام 2012، يعمل في بداية ولايته الثانية على تمرير مشروع معالجة أزمة المديونية . هذا المشروع سيبنى على قاعدة التسوية السياسية بين الديمقراطيين والجمهوريين لمعالجة ما بات يعرف بـ”الهاوية المالية”،  والتي برزت بقوة بعد الأزمة المالية العالمية، وتتعلق بأزمة المديونية وحجم العجز في الموازنة التي لا يمكن أن تتخطى حاليا ستة عشر ألفا وأربعمئة مليار دولار أميركي .

الجمهوريون الذين يحاولون الحصول على ثمن من أوباما مقابل موافقتهم على هذه التسوية، لا سيما بالنسبة للسياسة  الضرائبية التي سيعتمدها الرئيس الأميركي، يجرون محاولة أخيرة لحماية الأغنياء من أعباء ضرائبية جديدة يمكن أن يتبناها أوباما، خاصة أنه رفض أي زيادة ضرائبية تطال الطبقة المتوسطة والفقيرة، أي من لا يتجاوز مدخولهم السنوي المائتين وخمسين ألف دولار، كما يسعى الجمهوريون الى عدم السماح بخفض موازنة وزارة الدفاع. المعركة لحصول التسوية ليست بالسهلة، لكنها ضرورية لإنقاذ الاقتصاد الأميركي ومن يرفضها لن يتحمل مسؤولية نتائج هذا الرفض على أميركا.

أوباما الذي دخل التاريخ الأميركي  في العام 2008 كأول رئيس أميركي أسود، يحاول اليوم أن يترك إنجازا للتاريخ أيضا، كما فعل لينكولن، فهل يستطيع ان ينجح بتمرير مشروع “الهاوية المالية” في الكونغرس، ويعطي درسا جديدا في ممارسة السلطة السياسية أم يفشل ويتحول مشروعه من هاوية مالية الى هاوية لأميركا تشل مؤسساتها الحكومية وتوقف ملايين الموظفين الفدراليين عن العمل؟