- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

جنوب اليمن والتعتيم المخجل

جمانة فرحات
آلاف، عشرات الآلاف، مئات الآلاف. الأمر ليس مجرد أرقام للمشاركين من أبناء جنوب اليمن في الذكرى الخامسة والأربعين لجلاء الاستعمار البريطاني يسعى البعض إلى تقليلها أو تضخيمها، بل إنه تواطؤ على تغييب إرادة جزء كبير من أبناء جنوب اليمن، الذي خرج ليعبر عن رغبته بفك الارتباط عن الشمال.
الحشود غير المسبوقة المشاركة في مهرجان 30 نوفمير، التي اتفق القاصي والداني على وصفها بأنها الأكبر في تاريخ جنوب اليمن، لم تخطئها أعين الذين شاركوا في المهرجان، سواء كانوا من المؤمنين بما ينادي به أو الراغبين في رصد ما يجري خلاله، لكن حجبتها كبرى وكالات الأنباء العالمية ووسائل الإعلام العربية وتحديداً قناتي «الجزيرة» و«العربية». فمن تابع القناتان يوم الجمعة الماضي كان بامكانه بوضوح التوقف عند تجاهلهما ذكر أي خبر عن فعاليات الجنوب الحاشدة.
هذا التعتيم تناغمت معه كبرى وكالات الأنباء العالمية، من وكالة الصحافة الفرنسية «فرانس برس» إلى وكالة «رويترز» وحتى «الأسوشيتد برس»، لتشكل جميعها حصاراً إعلامياً يمنع تسليط الضوء على قضية جنوب اليمن، التي هي في الأساس أكبر من مجرد مطالب سياسية يرفعها هذا الزعيم أو ذاك. فهي قضية حقوق مهدورة ومظالم متراكمة لا يمكن لعاقل إنكارها.
هذا التواطؤ الذي اتفقت عليه هذه الوسائل الإعلامية، بالتأكيد لن يغير في تمسك مؤيدي فك الارتباط بمطلبهم، بل باتوا لا يترددون في توجيه انتقادات علنية لهاتين القناتين، مثلما لن يبدل في موقف مؤيدي الوحدة الذين يملكون وجهة نظر تبرر تمسكهم بالبقاء في إطار اليمن الواحد. فللطرفين وسائله الإعلامية التي يشاهدها.
لكن يبقى أن هذا التواطؤ الرافض لمواكبة أي فعالية للحراك، لا يمكن قراءته بمعزل عن الموقف العربي والدولي الرافض لأي تهديد لوحدة اليمن، وسط قناعة تبدو راسخة لدى هذه الدول أن الحراك الجنوبي في جزء رئيسي منه، وتحديداً المؤيد لنائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض يتحالف مع  إيران، العدو اللدود لدول الخليج والدول الغربية وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية.
وفي ظل خشية هذه الدول من أن أي فك للارتبط سيؤدي إلى تعزيز نفوذ إيران في اليمن عموماً والجنوب خصوصاً، فضلاً عن المخاوف الكثيرة من عدم الاستقرار والانفلات الأمني، كانت هذه الدول ترفض حتى الأمس التعاطي مع الحراك إلا من منطلق «المرأة الناشز التي يجب جلبها إلى بيت الطاعة»، أي الحوار الوطني المزمع انعقاده قريباً على أمل ايجاد حل يعالج مظالم الجنوبيين ويبقى على وحدة اليمن.
لكن هذا الوضع يبدو أنه سيتبدل بعد مشهد الحشود الكبيرة التي شاركت في مهرجان 30 نوفمبر. فما حجبته شاشات التلفاز ووكالات الأنباء، رصدته بدقة تقارير الاستخبارات العربية والغربية التي تعمل في اليمن. وما الأنباء عن عودة سفراء الدول الغربية للتحرك على خط الجنوب بمجرد انتهاء المهرجان سوى أولى المؤشرات على أن ما قبل الثلاثين من نوفمبر لن يكون مثل ما بعده لجهة الآذان الصاغية التي سيجدها الحراك الجنوبي من ممثلي هذه الدول.
وإن كان في حكم المؤكد أن الأيام القليلة المقبلة لن تشهد تحولاً  نوعياً في مواقف هذه الدول، فإن الثابت أن هذه الدول باتت على قناعة بعدم امكانية تجاوز الحراك وما يمثله، لتبقى المسؤولية على عاتق الحراك في التقاط هذه الفرصة ومعرفة من أي الأبواب يجب مخاطبة هذه الدول. فما بين الدول ليس سوى مصالح.