- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

فايدة حمدي… امرأة أشعلت الثورة أم كبش فداء؟

وردة السعدي
فايدة حمدي، “المرأة التّي أشعلت البوعزيزي”، بهذه الصفة حملت هذه الشرطية وزرها، بعدما قيل إنّها صفعت محمد البوعزيزي، بائع خضر متجوّل الذّي أقدم على إضرام النّار في جسده يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، بحجّة أنّه لم تكن بحوزته رخصة لمزاولة نشاطه التّجاري.
صفعة قلّبت مجرى الأحداث رأساً على عقب، بدأت بحرق البوعزيزي نفسه لتنتقل شعلة نيران الثّورة إلى الشّارع التّونسي فيسقط فيها زين العابدين بن علي. تونس فجّرت الثورات العربية التي أطاحت، لحدّ الآن، برؤوس ثلاث ديكتاتوريات ولا تزال تهدّد عروشاً أخرى.
كلّ هذه الأحداث تقهر هذه المرأة العازبة في  خريفها السابع والأربعين، فسحنات وجهها تبدو وهي محتمية بخمارها، رقيقة ومكسورة، فما حقيقة قصة هذه “الصفعة التّاريخية” أم أنّها مجرد “صفعة موهومة”  فبركها نظام بن علي السّابق ليخمد الانتفاضة البوعزيزية؟
تقول فايدة بنبرة واضحة “إنّها الصّدفة التّي وضعتني وجها لوجه أمام البوعزيزي، ليس بوسعي فعل أيّ شيء”. ما قصة “الصّفعة المشهورةإذًا؟”، تجيب “أنا لم أقم بصفعه بتاتًا”. وتضيف مبتسمةً “في ديننا، المرأة لا تضرب الرّجل، هذا مستحيل، هذا غير مقبول”.
بعد إيداعها في سجن قفصة لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر وعشرين يوماً، أقرّت المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد، يوم 19 أبريل/نيسان الماضي، بالإفراج على الشّرطية وبالتّالي براءتها من الصّفعة كما قضت بغلق ملفها نهائياً.
أخيرا، تعود فايدة إلى المنزل تتبعها نظرات والديها الحنونة، طاهر والدها وهو ضابط شرطة متقاعد، ومريم والدتها ها هي تستقبلها بوجهها الموشوم وبيدها سبحة. وها هي تعيد بها الذّاكرة إلى الوراء يوم الحدث المشهود، في ذلك اليوم قام محمد البوعزيزي بطرح كشكه في موقف سيارات الأجرة، أمام المحافظة، “قلت له أن يذهب، فأخذ يصرخ ثمّ دفعني بقوّة، عندها أردت مصادرة ميزانه ومبيعاته، لكنّه قاوم وجرحني في يدّي ثمّ أخذ في شتمي، كان يتفوّه بكلمات جدّ بذيئة، لقد حاول اقتلاع شرائط كتف زيّي العسكري، حينها وصلت تعزيزات الدّوريات”.
عندما بلغها خبر انتحار الشّاب “أخذني شعور أنّ شيئاً رهيباً سيحدث”، تقول فادية، ولو أنّ مفوّض الشّرطة طلب منّها “عدم أخذ الأمر مأخذ الجدّ”، إلاّ أنه “تمّ اعتقالي يوم 28 ديسمبر/كانون الأول، بعد زيارة بن علي لمحمد البوعزيزي في المستشفى. لقد قام باستقبال والديه في قرطاج، لقد تدخل بن علي شخصيا وجعلوا منّي كبش فداء، جعلوا منّي رمز تلك الشّرطة القاهرة التّي تقمع وتنهب المواطنين، وجب على كلّ التونسيين بغضي، وأنا لم أكن حتّى بشرطية فعلا، بل مجرّد وكيلة بالبلدية لأنّ ابن صديق الحاكم كان قد صرفني من الإدارة التّي كنت أعمل فيها سابقاً كسكرتيرة”.
في السّجن الذّي كانت فيه، لم تتعرض فايدة إلى “سوء معاملة”، لكنّها لم تتجرأ البوح للسّجينات الأخريات بالسّبب الحقيقي في سجنها: “قلت إنّني مدرّسة وضربت طفلا صغيراً”. فايدة لم تتمكّن من إيجاد محامّ، الكلّ كان يطالب بـ”مبالغ خيالية”، وحدها الأستاذة بسمة الناصري، التّي كانت تعرف عائلتها دافعت عنها مجّاناً، بعدما تيّقنت أنّ في الملف شيئاً من الغموض والتّناقضات. “عندما هرب بن علي في 14 يناير، بدأت أعتقد أنّ مشاكلي ستحلّ قريبا، وأخذت ألمح نهاية متاعبي”.
القضاء برّأها، “أنا سعيدة، لأنّني كنت شاهدة للتّاريخ”، عادت فايدة حمدي إلى منصبها في شهر أيلول/سبتمبر الماضي. لكنّ “الأشياء تغيّرت، لم تعدّ كسابقها، لا أخرج من مكتبي، زملائي مثلي لا يخرجون، الشّرطة تتفادى التّدخل، والنّتيجة أن هناك الكثير من المشاكل الأمنية في المدينة”.
يوم انتخابات المجلس التّأسيسي، لم تذهب لتنتخب، انتخابات كانت هي مفجّرتها نوعا ما، لكنّ فايدة تصرّح أنّه ليست لديّها “نظرة واضحة للأشياء”.