- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

سوريا: نشوء اقتصاد حرب يطيل عمر النزاع

خاص – «برس نت»

لا يمكن دفع رواتب المقاتلين في صفوف المعارضة السورية إلا بعد تبديل الدولارات القادمة من الخارج بليرات سورية وهذا ما يفعله القواد الميدانيون، وهم بذلك يدعمون الليرة السورية بشكل كبير، وفي غالب الأحيان يتم «استلام وتسليم مبالغ الدولارت أو الليرات السورية» عبر تواصل بين المناطق المتحاربة.

قد يفسر تدفق المساعدات المالية، خصوصاً في الشهر الماضي ارتفاع سعر صرف الليرة السورية بعدما انهار بشكل متدرج منذ بدأ الانتفاضة بنسبة ٥٠ في المئة إلا أن المتابعين لتطورات الأحداث في سوريا يرون أن عودة الليرة للارتفاع مرتبطة بعدة عوامل منها  تدخل البنك المركزي والمساعدات النقدية التي تصل ليس فقط من دول الخليج والغرب الداعمون للمعارضة بل أيضاً من قبل خلفاء النظام الذين يضخون أموالاً في الحلقة  النقدية في البلاد. كما أن عدداً من رجال الأعمال الذين هرَّبوا أموالهم إلى الخارج أكان ف يلبنان أم في قبرص أو دول الخليج  خصوصاً دولة الإمارات يضخون من حين لآخر مبالغ في الدورة الاقصادية في عمليات تجارية أو عقارية كما يحدث في كل الدول التي شهدت حروب أهلية وثورات.

ويقول أحد رجال الأعمال أن العمليات التجارية ومن ضمنها عمليات صرافة ضخمة لا تزال تجري بشكل يومي بين المناطق التي يسيطر عليها المتقاتلون. فيتم «شحن» الليرات السورية من دمشق نحو الشمال ليتم تبديلها بالدولارات الآتية من الخارج خصوصاً من دول الخليج. وتعود الدولارات من الشمال إلى الجنوب والغرب السوري والعاصمة لتشكل قوة ضاربة للبنك المركزي ليتدخل في الأسواق كلما تراجع سعر صرف الليرة، حى لا يكون هذا مؤشراً على انهيار النظام، وكذلك الأمر بالنسبة للمساعدات التي تصل النظام من حلفاءه بالعملة الصعبة.
ويبلغ سعر الدولار حاليا ٩٤ ليرة في السوق السوداء مقارنة مع ٤٨ ليرة قبل الانتفاضة وهو انخفاض حاد لكنه اقل حدة مما يمكن توقعه في ظل فقدان جانب كبير من ايرادات الدولة والأضرار الطويلة الأجل الناتجة عن الصراع. وكانت الليرة السورية قد هبطت إلى مستوى قياسي بلغ ١٠٥ ليرات مقابل الدولار في وقت سابق هذا العام، وساهم وصول المساعدات الخارجية وحلقة الصرافة بين المناطق المتنازعة لانتعاش سعر صرفها ما سمح للبنك المركزي باسترداد جانب من الخسائر التي تكبدها جراء تدخله الكثيف في الأشهر الماضية.
والجدير بالذكر أن البنك المركزيالسوري حرر نسبياً التداول بسعر يالدولار لتثبيت سعر صرف الليرة السورية وضخ في الأسواق مت يقدر بـ ٥٠٠ مليون دولار،شهرياً. إلا أن هذه السياسة كان لها ثمن باهظ. وقضمت ٥٠ في المئة من احتياطيات البنك المركزي التي كانت تقدر بـ نحو ١٨ مليار دولار، وقد حاول الحكومة السورية تدارك الأمر عبر تطبيق نظام متعدد المستويات لسعر الصرف أي سعر خاص بمستوردي المواد الخام (بنحو ٧٧ ليرة للدولار) لدعم الصناعة الداخلية وسعر آخر للتداول والصرافة  المعاملات المالية يحدده يوميا البنك المركزي.
وشدد النظام على دعم الصناعة وتسهيل الحصول على مواد خام بعد أن تغيرت هيكلية الاقتصاد السوري في الأشهر العشرين السابقة، فتحول تصدير المنتجات السورية من أسواق الخليج ولبنان والأردن وتركيا إلى سوق العراق ومنه إلى السوق الإيرانية.. وتمنح بغداد الصادرات السورية معاملة تفضيلية منذ بداية الازمة الامر الذي جعلها الشريك التجاري الرئيسي لسوريا إلى جانب إيران. ويقول أحد المراقبين إن «تجارة ثلاثية الأضلاع» قائمة منذ فترة بين روسيا وسوريا. إذ تستورد روسيا عبر تجار سوريين مقيمين فيها منتجات سورية يعاد تصديرها إلى دول ثالثة مقابل مواد مطلوبة ف يالسوق السورية.
ورغم صعوبة الحصول على دولارات فإن عمليات شراء تتم يومياً، ويتوقع البعض أن تعمد الحكومة إلى «تعويم الليرة السورية» لمنع استنزاف الاحتياطيات  للدفاع عن العملة، خصوصاً وأن اموال المعارضة تلعب دوراً كبيراً في دعم الليرة.
ونقلت وكالة أنباء عن سمير العيطة وهو اقتصادي سوري بارز قوله «ما دامت كميات كبيرة من الدولارات تأتي الى المعارضين فلن يحدث انهيار تام للعملة السورية ولن تتعرض لهبوط حاد الا اذا جفت منابع الاموال الواردة وعندها سيهيمن التعامل بالدولار في شكل متزايد على الاقتصاد».
ويتفق الجميع على أن «اقتصاد حرب» قد تأسس اليوم بعد ٢٠ شهراً من الثورة وأن توازن اقتصاد الحرب الموازي قد استتب وبات له أصول في المجتمع وتداخل  بالاقتصاد السوري بشكل يمكن أن يلعب دوراً في إطالة الحرب الدائرة. إذ أن عدداً كبيراً من المستثمرين في اقتصاد الحرب في كلا الجهتين المتقاتلتين يجنون ثروات طائلة في ظل التقاتل: فالبعض يشتري أراض الراغبين بالهجرة أو الهرب من مناطق القتال، بأسعار بخسة، فيما البعض الآهر يضارب بالعملة أو بالمواد الأولية مثل الطحين والسكر. ويتحدث السوريون عن «ثروات حرب» تتكدس لدى نخبة في المعارضة وفي صفوف مؤيدي النظام. ولا يتعجب أحد من أن «الثقة موجودة» بين الفريقين عند التعامل في المسائل المالية، وقد بدأ العمل بين المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة والمناطق الأخرى بـ«وسائل دفع مبنية على الثقة» ومنها الرسائل النصية الهاتفية ما يحد من مخاطرة نقل المبالغ الكبرى على الطرقات غير الآمنة. ويقول تاجر «يكفي رسالة نصية من دمشق إلى أدلب لتسليم أي مبلغ تريد». إنه اقتصاد الحرب الذي يطيل عمر الحروب.