- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

لماذا على المسلمين الاحتفال بالميلاد المجيد؟

نقطة على السطر
بسّام الطيارة
هل يكون الشرق شرقاً إذا هجره المسيحيون؟ قد يظل «الشرق» حيث تشرق الشمس بالنسبة للغرب إلا أنه لن يكون «شرقي أنا» كما لن يكون «شرق أكثرية الشرقيين». ولن يكون هذا الشرق الذي عرفه التاريخ والذي لعب دوراً كبيراً فيه، فكان مهد الديانات التوحيدية الثلاث وظل مركزاً للتبادلات التجارية والإنتاج الحضاري إلى أن اجتاحت بقاعه جحافل التتتر وخلفتها سيطرة عثمانية متشددة.
رغم كل هذا اجتازت شعوب المنطقة بكافة دياناتها المتنوعة والملونة حقبات التاريخ مجتمعة مرت عليها الحروب وعاشت المجاعات وخبرت الهجرة من دون تمييز.
الموجة الجديدة التي تهب على شرقنا العزيز لم يشهد مثلها التاريخ في السابق. هي موجة «استئصالية» لكل ما هو مخالف لأفكارها ولمنطقها ولما تعتقد أنه «دينها»، إنها الأصولية السلفية.
بخلاف ما يكتب هنا وهناك هذه التيارات لا تبحث عن حلول لأزمات اقتصادية أو مداواة لفقر وتخلف ولا تريد أن تبرز حلولاً لأزمات سياسية ترى أن عقيدتها هي الأنجع لمعالجتها. هذه التيارات الأصولية تريد أن تعيش ضمن إطار منسجم مع عقيدتها وكل ما داخل هذا الإطرار عليه أن يكون متجانساً أي لا «نتوء ولا تمايز ولا تنوع».
هذه الأفكار كانت قبل ثمانينات القرن الماضي تدخل في إطار «التنوع الثقافي والديني للشرق». عاملان ساهما في إعطاء زخم لهذه الأفكار التكفيرية الاستئصالية: فورة النفط والتوجه الديني الحصري في …(نعم) إسرائيل.
نقرأ في الصحافة العربية والغربية وصفاً لإسرائيل وهو «الدولة العبرية» (ونكتبه نحن في البعض الأحيان من دون الالتفات إلى ما يحمله من معاني)، هذا الوصف هو الأحب إلى قلوب الصهيونيين (بالمعنى السياسي أي الداعين إلى دولة يهودية تجمع كل اليهود). هذا الوصف ينم عن دولة «تيوقراطية» مبنية على الانتماء لدين واحد يستثني الآخرين، وهذا الوصف هو حامل سيف تهجير  الفسطينيي الداخل. وفي حال تم تكوين إسرائيل بهذا التوصيف يكون هو العامل الأساسي للبحث عن اعتراف «بيهودية الدولة». وهو، كما يعلم الجميع. العقبة الأولى أمام أي سلام مقبل.
إن سلام في ظل اعتراف بحصرية اليهودية في فلسطين تعني أولا تهجير ما تبقى من عرب مسيحيين ومسلمين، وتعني أيضاً وضع مسألة الدين في مرتبة أعلى من مرتبة المواطنة.
أيا كان «تعلق» الغرب بحماية إسرائيل لأسباب تاريخية  هل يستطيع هذا الغرب القبول بمبدأ تغليب الدين على المواطنة؟ هل يقبل الغرب بعد ثلاثة قرون على طي صفحة أولوية الدين في العلاقة بين الدولة والمواطنين بإعادة فتح مثل هذه الصفحات الدامية خصوصاً وأن أعداد المسلمين بتزايد مستمر بين مواطنيه؟
الحل الوحيد لدى غلاة الإسرائيليين هو بتوسيع بيكار الصراع وجعله صراعاً بين «الإسلام واليهودية». كيف؟ يتم ذلك بحصرية الديانة ليس فقط داخل الدولة العبرية بل أيضاً داخل كل محيطها العربي.
هذه الاستراتيجية تتلاقى (وتلاقت) مع استراتيجية السلفيين. هذه الاستراتيجية هي قيد التنفيذ. وبعض الدول الغربية تساعد بشكل مباشر أو غير مباشر بتنفيذها على الأرض. (إن الحصول على فيزا هجرة للمسيحيين من الشرق باتت مسهلة من قبل عدد لا بأس به من الدول الغربية).
تم ذلك في العراق ويحصل اليوم في سوريا ولامس قليلاً لبنان وهو يستعد للانطلاق في مصر بعد أن «تم تخليص السودان» من مسيحييه باستقلالهم جنوباً.

ولكن هذه الموجة بدأت في فلسطين بلاد المسيح: هل يدرك العرب أن أعداد المسيحيين في بلاد مهد المسيح تتراجع بشكل رهيب ولم يتردد بعض الباحثين عن وصف هذا «العامل الديموغرافي بأنه انقارض»؟
على مسلمي الشرق التمسك بمسيحي شرقهم والمشاركة بعيد الميلاد كي تكون مثل هذه المناسبات نقاط ارتكاز لأوطان مبنية على مواطنة بغض النظر عن الدين، هذه هي المقاومة الحقيقية لمحاولة حصر الصراع مع إسرائيل في علاقة دينية عوض عن أن تكون ضمن حقوق وطنية بأرض وحقوق إنسان.