- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

على من تقرع تهديدك يا عبّاس؟

حسام كنفاني
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يهدّد بحل السلطة. الخبر جديد نوعاً ما بالنسبة إلى استراتيجيا أبو مازن الذي يتخذ من المسار السلمي خطاً بيانياً لا حياد عنه. وهو ربط تهديده أساساً بفكرة استمرار الجمود على خط المفاوضات، وهو جمود ليس جديداً، فها هو يدخل عامه الرابع، ومع ذلك لم يسبق لأبو مازن أن اتخذ من هذا القرار «التصعيدي»، بل على العكس تماماً، كان يحرص على المضي في خياره، الذي أوصله إلى نيل فلسطين صفة دولة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
العضوية الدولية سوّقت لها السلطة الفلسطيني على اعتبار أنها انجاز، وخطوة أولى في الطريق إلى الدولة الفلسطينية الموعودة. فما الذي تغيّر بين ليلة وضحاها حتى يخرج أبو مازن بمفاجأته الجديدة، والتي كان الكثيرون يطالبونه بها في عز حال الجمود التفاوضي وانسداد الأفق وفشل طلب العضوية في الوصول إلى مجلس الأمن العام الماضي؟ وهل عبّاس فعلاً يهدّد إسرائيل، أم أن تهديداته تستهدف أيضاً أطرافاً أخرى في المحيط الإقليمي والبعد الدولي؟
من المؤكد أن سوط عباس ليس ذاهباً باتجاه نتنياهو، بقدر ما هو موجه إلى العرب، بالتزامن مع وصول الزائر نبيل العربي إلى رام الله. أبو مازن يعلم جدياً أن مثل هذا التهديد يقلق العرب أكثر من إقلاقه دولة الاحتلال، ولا سيما أن قوات الاحتلال أساساً موجودة في الضفة الغربية، باستثناء القليل من المناطق. وتسيير شؤون الأراضي المحتلة خبرته الدولة العبرية منذ زمن النكسة، وهي قادرة على استعادة مثل هذا السياق من التعامل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية، رغم ما قد ينتجه حلّ السلطة من إرباك دبلوماسي عالي المستوى لإسرائيل، التي بدأت تخرج أصوات فيها تحذر من العزلة الدولية.
لكن إسرائيل مدركة أن أبو مازن ليس جدياً، ولا سيما أن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان رد بتحدي عباس أن ينفذ ما قاله. أبو مازن لن ينفذ. فسقف ما قيل هو التهديد ليس لإسرائيل، بل للدولة العربية، التي ترى السلطة الفلسطينية غارقة في أزمتها الاقتصادية من دون أن تقدم يد العون لها، بل هي على العكس ذاهبة إلى احتضان حكم «حماس» في قطاع غزة، والتنكر لعباس وحكمه. هذا الأمر يقلق أبو مازن وهو يرى مد الحكم الإخواني بات قاب قوسين أو أدنى من فلسطين، وها هو يحظى بشرعية عربية تقودها قطر ومصر، فيما تقوم الدولتان بالترويج لنموذج الحكم الحمساوي بأنه يأتي في سياق الحكم الإخواني الممتد حالياً من المغرب إلى مصر.
تهديد عباس نابع من خوف حقيقي على مسار الحكم الفتحاوي، الذي قد يكون وصل إلى نهايته. وتهديده بحل السلطة يأتي في إطار صرخة «علي على أعدائي»، والذريعة موجودة، فالمفاوضات متوقفة والأفق مغلق. لكن الأمر لم يكن على هذه الدرجة من الإزعاج سابقاً، إلا أن الواقع تغير، وها هو خطر آخر يتربص بأبو مازن لا بد من تداركه.