- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

«خلف الشمس» لبشرى المقطري: الكتابة بذهنية الثائرة

بيروت ــ معمر عطوي
تنقلك الكاتبة اليمنية بشرى المقطري في رواية «خلف الشمس» الصادرة عن المركز الثقافي العربي، إلى بيئة عربية مختلفة عن محيطها الجغرافي، بما تحمله من خصوصية في العادات والتقاليد والأعراف القبلية، وبما شهدته من أحداث سياسية عاصفة قسّمت اليمن الى شطرين في عهد الحرب الباردة ووصلت الى قيام ثورة ضد الرئيس الأخير علي عبد الله صالح الذي اشتهر بالفاسد واعتماد المحسوبية في الحكم والهيمنة على مقادير البلاد.
في باكورتها الروائية التي جاءت بعد مجموعة قصصية بعنوان «أقاصي الوجع» ، تمتشق بشرى سيف النضال ضد ما هو سائد من عادات وتقاليد سلبية تنتقص من كرامة المرأة وإنسانيتها، متحديّة ذكورة مهيمنة على المجتمع والسياسة بجرأة متناهية.
تبتكر المقطري إسلوباً فريداً في سردها للأحداث على لسان شخصيات ثلاث، محاولة تقديم المشهد بتاريخه وجغرافيته وأحداثه على لسان كل شخصية بصيغة الحديث عن الذات، متنقلة بالقارئ بين شخصية وأخرى بشكل مفاجيء، وفي سياق حبكة درامية متينة.
حديث الأنا وفق بنائها الدرامي، هو حديث الآخر أيضاً. حديث ينطلق من الذات ليصور المشهد العلائقي بينها وبين المحيط، متخذاً من الأحداث السياسية مادة دسمة وواقعية لسردية روائية لا تخلو من البعد الفانتازي لاكتمال عناصر المشهد.
وكما جاء في غلافها الأخير فإن عمل المقطري «رواية من واقعنا، إذ كثيراً ما يصدُّ المجتمعُ أحلاماً تنغُلُ في وجدان صاحبها الذي قضى عمراً يناضلُ في سبيلها. فحركة الواقع ليست دائماً استجابة لنداء الذات، بل قد تأتي الظروف عكس ما يخطّط له الانسان، وخاصة الإنسان الثوري الذي يبقى متطلعاً صوب آفاقٍ بعيدة، فلا يشعر بمتعة الحياة إلا اذا اقترنت بأهدافٍ سامية”.
والجدير بالذكر أن بشرى من مواليد منطقة المقاطرة- محافظة لحج اليمنية عام 1979، وحاصلة على ليسانس تاريخ من كلية الاداب- جامعة تعز، حيث جاءت الأولى على دفعتها بتقدير عام  امتياز مع مرتبة الشرف. وبسبب مواقفها المناهضة للفساد منذ وقت مبكر من خلال مقالات ناقدة وكاشفة للفساد في عدد من الصحف المحلية الرسمية والأهلية، وعدد من الصحف العربية منها “القدس العربي والاخبار اللبنانية والدوحة القطرية”، فقد عمدت رئاسة الجامعة وعمادة الكلية على حرمانها من حقها في العمل الأكاديمي ومنحها وظيفة إدارية فقط، اضافة الى ممارسة العنف المؤسسي والنفسي بحقها بصورة مستمرة بهدف إضعافها، وكسر إرادتها.
المقطري، التي اكملت تمهيدي ماجستير- تاريخ قديم، كانت من اوائل المثقفين الذين طالبوا بإسقاط النظام منذ عام2008، ولهذا  تقدمت صفوف من نزل للساحات العامة للمطالبة بإسقاط النظام، وتلقت تهديدات بتصفيتها جسدياً، كما تعرضت بسبب مقال كتبته عن الثورة إلى تكفير من قبل القوى الدينية والمطالبة بإقامة الحد عليها، تلتها حملات تشهير وتحريض استهدفت حياتها، وتعرض منزلها للقصف مرات عديدة.
والكاتبة الآن تشغل عدة مناصب ومهمات ثقافية وأدبية، فهي عضو المجلس التنفيذي لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ورئيسة منظمة الشباب التقدمي وعضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني. سبق لها وان فازت في مسابقة الإبداع الثقافي للجامعات العربية المشاركة في ملتقى جامعة السويس عام 2000 .
مع بشرى تمتزج السياسة بالمجتمع ويبان الخيط الرفيع الذي يفصل بين الأخلاق والكذب في مجتمعات بنيت على إكذوبة القيم، ونُسجت بخيوط النفاق والضحك على الذات.
هي ترفض الاختباء وراء اصبعها فتمارس فعل الكتابة بذهنية الثائرة الرافضة التي تتجرأ على التابو وتقول الأشياء بأسمائها.