- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

حرب مذهبية تأكل أخضر العرب ويابسهم

نقطة على السطر

بسّام الطيارة

التحذيرات من عواقب ما يحدث في سوريا على دول الجوار تصدر بشكل متتابع من كل حدب وصوب. الجهد الديبلوماسي ينصب على توفير حل سياسي يوقف الحرب وينهي معاناة السوريين. دوال الجوار تستقبل مليون لاجئ سيوري بين المسجلين في سجلات المنظمات الإنسانية وبين المستضافين لدى أقارب وأصدقاء. إذاً الأنظار موجهة إلى سوريا.
حسناً! هل تكفي التحذيرات والدرسات وتعداد المصائب لدرء الأخطار عن المحيط السوري؟
إذا كان الجميع يتخوف مما يحصل في سوريا، فهل ينظر البعض قليلاً صوب العراق لتقدير خطر التنافس الإقليمي بين المحاور المتعدد وشمولية النزاعات التي تمخر في اتجاه واحد: خراب المنطقة.
لا يجب أن نتلطى وراء عبارات تجميلية ولا أن نعف عن الإشارة إلى أن «النزاع دخل إطار المذهبية» ولم يعد نزاع حول مصالح إقتصادية أو السعي وراء هيمنة سياسية لحفظ مصالح اقتصادية.
عندما نعترف بأن النزاعات في المنطقة العربية باتت نزاعات مذهبية، أي أن الحال تجاوز مسألة المصالح ليغوص في بحيرات اللاوعي وتعصف به عواصف الغرائز الحيوانية، وبات حال لا ينفع معه أي منطق ولا حل عقلاني، عندما نعترف بذلك وننزع غشاء المداورة من أمام أعيننا يمكننا أن نبدأ بالبحث عن «حل».
في الأردن النار تحت الرماد، وفي لبنان لم يعد رماد «سياسة النأي بالنفس» يفعل فعله ويعمي الأبصار فبلاد الأرز دخلت دوامة الحرب السورية.
ولكن ما يحصل في بلاد العراق هو أحد أبرز نتائج الحرب الأهلية في سوريا.
«أهل السنة» في مدن الأنبار والرمادي والفلوجة وتكريت وسامراء وصلاح الدين خرجوا بتظاهرات تطالب بوقف «استهداف السنة». فطع أهل المناطق السنية الطريق الذي يربط العراق بسوريا والأردن. خرج نائب الرئيس السابق صدام حسين عزة الدوري إبراهيم من مخبئه وظهر بتسجيل تلفزيوني يدعم «سنة العراق في المحافظات الثائرة»، وعادت أعلام وإشارات إلى النظام السابق تعلو رؤوس المتظاهرين ضد حكومة نوري المالكي، وخرجت صيحات تستنكر «المشروع الصفوي الفارسي لتقسيم العراق»، وتطالب بعصيان مدني.
يقول البعض إن اعتقال مقربين من وزير المالية «رافع العيساوي» فجر الوضع. ويردد البعض الآخر بأن «استهداف رموز السنة» هو استهداف منظم مذكرين بالحملة على نائب الرئيس «طارق الهاشمي» بتهمة مشابهة.
هذا في غرب بلاد العراق. في جنوب وشرق بلاد العراق خرج «أهل الشيعة» يعلنون «تضامنهم مع المالكي» في تظاهرات مؤيدة في مناطق كربلاء والكوت والديوانية والبصرة والسماوة.
مستنكرين إلغاء مواد من قانون الإرهاب و«عودة البعث».
فيما بررت الحكومة التي يسيطر عليها حزب المالكي الاعتقالات بحق زعاء السنة بأنها «تنفيذ لأحكام قضائية»، ولكن الحكومة اتخذت خطوات إجرائية تبدو وكأنها عقابية بقطع طريق محافظة الأنبار مع الأردن، وتحركت سياسياً بمنع جلسة برلمانية للنظر في رفع الحصانة عن المالكي عبر تغيب نواب حزب «دولة القانون» حزب رئيس الحكومة.
نبض الشارع الشيعي تحدث عن دولاً خارجية اتهمها بالوقوف وراء التوتر في البلاد. في كربلاء شوهدت يافطات تتهم«تركيا وقطر بزرع الفتنة والدمار في العراق». والمالكي لم يتردد بتوجيه الاتهام إلى الدولتين في شرحه الأزمة وتحدث عن «تنافس إقليمي» يحرك الشارع العراقي.
جبهة النصرة التي حاربت في العراق الأميركيين قبل أن تحارب «أهل الشيعة» في بلاد العراق باتت اليوم على الجانب السوري للحدود الملاصق للأنبار، وهي وإن اختصرت اسمها فهي «جبهة نصرة السنة».

الحكومة العراقية لا تخفي الدعم الذي يصلها من إيران، ولا تخفي دعمها لنظام الأسد.
السعودية وقطر والكويت وتركيا لا تخفي عدائها لإيران ولا تخفي عدائها للنظام السوري.
اجتمعت موات التفجير المذهبي وهو ما لا يخفى على الناظرين إذا أرادوا أن يبصروا. النار اليوم وصلت إلى هشيم بلاد العراق، ولكن …
ولكن هل تتوقف في بلاد ما بين النهرين؟ هل تعرف الحرب المذهبية حدوداًتقف وراءها؟ في عصرنا هذا عصر التواصل والقنوات الفضائية هل يمكن تأطير نزاع مذهبي وحصره في حدود دولة أو دولتين؟
حذار من نار تأكل الأخضر واليابس في بلاد العرب.