- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

بين لحيتي المناضل الثوري والسلفي

بسّام الطيارة
نقطة على السطر
يعود اللبناني جورج ابراهيم عبدالله إلى وطنه بعد ٢٩ سنة تغييب في السجن. سوف يفاجأ في لبنان بأمرين: الشبيبة اللبنانية واللحى وسيرى بسرعة الترابط بين الأمرين.
الشبيبة في لبنان باتت (شباب وشابات) زهرية اللون تناضل رقمياً عبر فيسبوك وتويتر. ولن يلتقي بأحدهم أو إحداهن من دون أن يرى هاتفاً محمولاً ينقرون عليه.
٦٥ في المئة من الشعب اللبناني ولد بعد عام ١٩٨٥، أي أنه ولد بينما كان جورج إبراهيم عبد الله مقيد الحرية في سجون فرنسا. نسبة كبيرة من هؤلاء لم تسمع بالمناضل اللبناني. عندما ترك جورج إبراهيم عبد الله بلده تركه فريسة لحرب أهلية ضروس. كان يكفيه (نظرياً) لعبور حاجز أن يكتم اسمه «جورج» ويكتفي بكنيته «ابراهيم عبدالله» ليفلت من شبهات من يقف على حاجز في بيروت الغربية وما كان عليه إلا أن يبرز اسمه كاملاً أمام حواجز بيروت الشرقية.
ولكن جورج ابراهيم عبد الله، هذا «المسيحي» القادم من الشمال «العكاري» في لبنان، كان يتجاوز حواجز الغربية والشرقية وينظر إلى فلسطين، إلى القدس. كانت لحيته مؤشراً على انتماء إلى «تيار مناضل يحارب الأمبريالية» ويرى في إسرائيل ربيبة لهذه الأمبريالية. لم يكن وحيداً كما لم تكن «الفصائل المسلحة الثورية» التي أسسها وحيدة. كذلك لم تكن «الجبهة الشعبية»، تلك الفريق الحليف، وحيدة. مثلما لم يكن الحلفاء عبر العالم وحيدون لا «الألوية الحمراء» في إيطاليا. ولا «الجيش الأحمر» في اليابان، ولا مجموعة «بادر ماينهوف» الألمانية ولا مناضلي أدغال أميركا اللاتينية.
وُجِدَت في هذا الزمن (الذي يبدو بعيداً) عولمة النضال ضد الامبريالية، وهي سبقت العولمة التجارية وعولمة التواصل الرقمي.
كان العالم ينقسم الى قسمين: الامبريالية السياسية والعسكرية التي تحمي مصالح امبريالية اقتصادية من جهة ومن جهة اخرى المناضلين سراً وعلناً بالسلاح او بالكلمة للتصدي لهذه الامبريالية. وبين المجموعتين كانت تعيش «الخواريف» تعمل وتأكل وتشرب وتنام وتنجب أطفالاً. الحرب الامبريالية كانت للحفاظ على حظيرة الخواريف بينما نضال الثوريين، الذين كانوا يوصفون بـ«الإرهابيين»، كان بشكل محاولات مكررة لفتح كوة في أسوار تلك الحظيرة.
اليوم تغير الحال يا أيها المناضل جورج إبراهيم عبدالله. اليوم اختفت المنظمات الثورية العلمانية العالمية.  اليوم اختفت كلمة إمبريالية وحلت محلها كلمة «عولمة» اليوم خواريف الحظيرة مشاركون عبر لهوهم اليومي الدائم في الألعاب الرقمية ونمط الاستهلاك السهل واعتقادهم الراسخ بأنهم فاعلون يساهمون في تسيير دفة العولمة، بينما هم في الواقع يدفعون نحو المزيد من الأرباح لأصحاب التجمعات الكبرى ولأغنياء العالم المتكالبين.
اختفى الثوري الجميل ذو اللحية الكثة (حتى من أفلام هوليوود). ولكن لم تختف اللحية. الملتحون اليوم هم السلفيون الذين سوف تلتقي بهم (حكماً) في الطريق وعلى شاشات التلفزيون. هؤلاء بعكس الثوريين لا يبحثون ولا يناضلون من أحل رفع أسوار الحظيرة لإخراج الخواريف، بل يريدون الدخول إلى الحظيرة  لنحر الخواريف. يتنافسون مع الأمبريالية للحصول على «سمن» الخواريف. لهذا السبب تحاربهم الأمبريالية.
المنافسة حادة يا جورج إبراهيم عبد الله بين الأمبريالية وبين السلفية. بين ربطات العنق الرقمية وبين اللحى.
فماذا سوف تفعل بلحيتك؟