- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الحرب العالمية الثالثة

نقطة على السطر

بسّام الطيارة
سوف يذكر التاريخ أن انطلاق الطائرات الفرنسية لضرب قواعد الجهاديين في شمال مالي هي نقطة انطلاق الحرب العالمية الثالثة.
نعم!
لقد تعجب العديد من المراقبين من «تسرع» فرنسا في إطلاق شرارة النزاع مع الجهاديين، وذهابها إلى حرب الصحراء وحيدة، بينما يكتفي حلفاءها بدعم «شفهي» ووعود بدعم لوجيستي في أفضل الأحوال. وخرجت التلميحات بأن المصالح الاقتصادية وحمايتها كانت وراء قرار فرنسوا هولاند بالحرب في المستعمرات الفرنسية السابقة.
مخطئ من يعتقد بأن «شمال مالي» هو إطار النزاع، ومخطئ من يعتقد بأن «الساحل» (الذي تتجاوز مساحته ضعفي مساحة أوروبا) سيكون فقط إطار الحرب الدائرة. هذه الحرب التي بدأت في ١١ كانون الثاني/ يناير هي «الحرب العالمية الثالثة». لن يقف حلفاء باريس ولا حلفاء «أنصار الدين» مكتوفي الأيدي.
يكفي النظر إلى أحداث الساعات القليلة الماضية لنلمس اتساع رقعة الصراع.
٢٠٠٠ كيلومتر تفرق بين حركة القوات الفرنسية المدرعة التي انطلقت «لمواجهة أرضية مع الجهاديين» في ديابالي وهجوم «الموقعين بالدم» الذين يقودهم «مختار بلمختار» على المنشأة الجزائرية في الشمال.
٣٠٠٠ كيلومتر تفصل بين مدينة كونا حيث تدور معارك بين الجيش المالي المدعوم من الفرنسيين وكتائب «حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا» ومخازن السلاح على المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وتشاد.
٦٠٠٠ كيلومتر تفصل بين قواعد انطلاق الطائرات الفرنسي والأهداف التي تقصفها في الصحراء الكبرى.
٦٠٠٠ كيلومتر تفصل بين ساحة المعارك و… الصومال أو اليمن.
و٧٥٠٠ كيلومتر تفصل بين تلك البقاع الصحراوية و… أفغانستان.
حتى الآن لم تتحرك الفصائل الجهادية في أندونيسيا ولا تحركت حاملات الطائرات الأميركية من قواعدها في في فلوريدا ولا انطلقت مساهمة أوستراليا الآتية لا محال في سياق تدخل بريطاني في الساعات المقبلة.
قد يقول البعض بأن «احتجاز رهائن غربيين» في منشأة «بريتش بتروليوم» هو عامل «عولمة» الأزمة، أو قد يرى البعض أن نشر بعض غلاة السلفيين «فتوى تحريم دعم الحملة الصليبية» في وصفهم للعملية الفرنسية، يوسع بيكار النزاع. في الواقع إن الحرب هذه لم تبدأ مع انطلاق الطائرات الفرنسية نحو الصحراء ولا بدأت عندما ركب الجهاديون سياراتهم رباعية الدفع وانطلقوا نحو عاصمة باماكو، هذه الحرب بدأت مباشرة بعد غزو العراق عام عام ٢٠٠٣، ولكن كل عوامل انطلاقها كانت حاضرة في أفغانستان منذ ثمانينات القرن الماضي عندما لجأ الأميركيون إلى العامل الديني لمحاربة السوفيات فأخرجوا «عفريت الجهادية» من القمقم ظناً أن حلفهم مع المملكة السعودية يمكنهم من «تدجينه» واستعماله كما يحلو لهم.
كل الخبراء الغربيين في علوم الإسلام وفي علوم المجتمعات الإسلامية والعربية، عجزوا عن قياس خطورة اللعب على العامل الديني في الدول الإسلامية والعربية، في ظل تحالف الغرب مع الأنظمة الفاسدة والديكتاتورية خصوصاً في ظل سياسة الكيل بمعيارين في المسائل العربية والإسلامية وبشكل خاص في القضية الفلسطينية.
لا ليس الربيع العربي هو الذي دق ناقوس تلك الحرب العالمية. الربيع العربي فتح باب الفراغ في الأنظمة العربية لتحتله القوى التي عملت قريباً من الشعوب المقهورة مشيرة إلى تحالف الغرب والأنظمة الفاسدة وإلى الظلم الكبير اللاحق بالشعوب العربية والإسلامي، لتحور وتقود هذه التيارات الشعبية في اتجاهات سلفية مظلمة.
هذه القوى التي باتت تحتل إلى جانب قناعات شرائح واسعة من الشعوب مساحات واسعة جغرافيا تمتد من المحيط الأطلسي غرباً إلى شواطئ المحيط الهندي وجدار الصين شرقاً مروراً بجبال تورا بورا ومن أندونيسيا جنوباً إلى شواطئ المتوسط شمالاً. ولا يتردد بعض الخبراء من شمل أوروبا الغربية (تهديدات القاعدة) وأميركا الشمالية (هجمات أيلول ٢٠٠١ ) ليس فقط بسبب ما حصل سابقاً بل نظراً للجهد اليومي لإفشال محاولات يومية لتفجيرات إرهابية في الدول الغربية.
بالطبع من دون إعلان حرب كما هو متعارف عليه: دخل الفريقان في حرب عالمية نشاهدها اليوم ولا نعرف متى نرى نهايتها، وكيف ستكون تلك النهاية.