معمر عطوي
مهما كانت نتيجة العملية العسكريّة لتحرير رهائن في صحراء الجزائر، فإن شراسة الجيش الجزائري بالتعامل مع هذه القضية يحمل مدلولات عديدة حول نمط التكتيكات المُتّبع لعدم تكرار تجربة الحرب الأهلية في التسعينيات
حملت عملية اختطاف رهائن في منشأة إمناس لانتاج الغاز في جنوب شرق الجزائر حكومة بلد المليون شهيد على استعادة ذاكرة الحرب الأهلية في التسعينيات والتي دامت عشر سنوات وأسفرت عن مقتل نحو 200 شخص.
ذاكرة هذه الحرب الدموية، خلقت لدى السلطات الأمنية هاجس التصدي لأي عودة ممكنة لإرهاب في ظل توسع نشاط تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في منطقة الساحل الأفريقي.
ولما كانت الجزائر ترتبط بحدود تتجاوز 6300 كيلومتر تمتد عبر الحدود الجزائرية شرقاً وغرباً وجنوباً، بدت تكتيكات القوات الجزائرية في التعاطي مع قضية إمناس، مصرّة على الشدة. وهذا ما ظهر واضحاً في عدد الضحايا من الرهائن أثناء عملية تحريرهم إضافة الى مقتل معظم الخاطفين من مجموعة «الموقّعون بالدم».
الأمر الآخر الذي يبدو أن الجزائر التفتت إليه متأخرة، هو المسألة الليبية وتداعياتها على منطقة الساحل الأفريقي. لعل أبرز هذه التداعيات تسرّب السلاح والمقاتلين الى دول الجوار الليبي. والواضح أن التطورات التي شهدتها منطقة شمال مالي، حيث سيطرت ثلاث حركات إسلامية متشددة، هي نتيجة حتمية لتدفق السلاح والمقاتلين نحو منطقة الساحل الأفريقي عبر الجزائر والنيجر وتشاد.
إلى جانب الخوف من شبح الحرب الأهلية وعودة العنف في البلاد، وتداعيات الأزمة الليبية، تتوجس الجزائر خيفة من جارتها في الشرق، حيث تتواصل حربها الباردة مع المغرب حول أحقيّة ملكية الصحراء الغربية، خصوصاً أن بعض التحاليل الأمنية في الجزائر أفادت بأن تنظيم «جماعة التوحيد والجهاد» الذي يسيطر على بعض مناطق الشمال المالي، مدعوم من الرباط.
مما لاشك فيه أن الجزائر التي كانت دائماً مع الحل السلمي في مالي، تحاول الخروج من هذه المعركة بأقل خسائر ممكنة. هي تدرك أن النأي بالنفس تماماً عن ما يدور في جنوبها من تدخل دولي بذريعة محاربة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، لا يخدم مصالحها وقد يُعرّضها للعزلة الدولية بسبب عدم التعاون في «محاربة الإرهاب الدولي»، لذلك وافقت الحكومة الجزائرية على فتح مجالها الجوي أمام الطائرات الحربيّة الفرنسية التي تقوم بالإغارة على مواقع التنظيمات الإسلامية في شمال مالي مع علمها بإمكانية هذه الطائرات من عبور أجواء دول أفريقية أخرى تحتضن قواعد عسكرية للجيش الفرنسي.
فالجزائر تدرك تماماً أن باريس أرادت من هذا الطلب كسر شوكتها لوقوفها ضد شبه إجماع جاراتها من دول من غرب افريقيا (نيجيريا وتوغو والبنين والسنغال والنيجر وغينيا وغانا وبروكينا فاسو) على اللجوء الى الحل العسكري في مالي.
وبالتالي هذه الدولة التي تعرّضت لاستعمار فرنسا على مدى 132 عاماً، تُدرك تماماً نوايا عاصمة الأنوار التي تعمل بغطاء أميركي دولي لمحاربة النفوذ الاقتصادي الصيني في القارة السمراء، ولاستثمار خيرات تلك البلاد من الغاز والنفط واليورانيوم والمعادن.
وقد تكون المعالجة الشديدة في موضوع تحرير الرهائن وفتحها الأجواء أمام سلاح الجو الفرنسي، سببين اضافيين لدى قادة الجزائر، بغية منع تمدد عناصر التنظيمات المُسلّحة نحو مناطقها الجنوبية، خصوصاً، حتى لا يصبح لدى فرنسا ذريعة أخرى للتدخل في الجزائر لاحقاً، بحجة محاربة الإرهاب الإسلامي.
والأمر الأكثر أهمية أمام هذه التطورات، هو المخاض العسير الذي تشهده مناطق الربيع العربي، وابتعاد الجزائر، نسبياً، عن تداعيات الثورات التي انطلقت من جارتها تونس.
لعلها محاكاة جزائرية لروسيا التي عالجت قضيتي خطف رهائن عامي 2002، و2004 في مسرح في موسكو ومدرسة بيسلان، بقتل أكثر من 430 مدنياً. سيما أن فرقة «النينجا» في الجيش الجزائري التي نفذّت عملية إمناس كانت تدرّبت على أيدي القوات السوفياتية في القرن الماضي.