- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

بنجامين ستورا: حرب الجزائر بعيون جزائرية

تقديم وردة السعدي
“المقاومة قامت بين شعبين مختلفين، بين السيد والعبد”. هذا كل شيء. إنه من السذاجة الحديث عن تفطن الوعي الجزائري كما تفعله الصحف، إنها مجرد عبارة خالية من المعنى..  فالجزائريون لم ينتظروا قدوم القرن العشرين ليدركوا أنهم جزائريون، صاحب هذه الأسطر التي دونت نهاية عام 1955، بعد عام واحد من اندلاع حرب الجزائر، هو في حقيقة الأمر ليس إلا “جبائلي” من بلاد القبائل وهو أبعد ما يكون بالشخصية التحررية الراديكالية التي قد يطبعها عند الآخرين، ولا حتى من دعاة جبهة التحرير الوطني حتى ولو أنه كان من مؤيدي المعركة الوطنية لكن هذا لم يمنعه من التنديد، باستمرار وطوال النزاع، بالابتزازات التي كانت ترتكب في حق المدنيين، تنديدات طبعها في مذكرته الشخصية التي نشرت بعد اغتياله عام 1962. صاحب المفكرة هو مدرس وروائي وعاشق للغة الفرنسية، إنه “مولود فرعون”، هذا الرجل لم يتوان لحظة واحدة في مساندة ألبيرت كامو الذي حاول عرض “هدنة مدنية” بين المتحاربين وتوقيع اتفاقية تفرض حماية “الأبرياء” على الأقل والتحذير من العواقب الدرامية المترتبة على استمرار هذا النزاع القاتل.
لكن للأسف، مبادرة كامو، التي بدت نوعا ما خيالية في خلق حرب نقية، باءت بالفشل، بل مبادرة أحبطت من قبل “متطرفي” الاستعمار. وعبر مفكرته دائما، وفي الحالة الذهنية نفسها هاجم مولود فرعون صاحب جائزة نوبل للآداب ألبيرت كامو (الذي تسلمها عام 1957) وكذا زميله الكاتب الوهراني إيمانويل روبلاس، اللذين كانا وبقيا من بين أصدقائه، بهذه العبارات “في نهاية المطاف، هذا البلاد اسمها الجزائر وسكانها جزائريون، فلم كل هذا اللف والدوران والأمر واضح؟..  قولوا للفرنسيين إن هذا البلد ليس بلدهم، لقد دخلوه عنوة وهم ينوون البقاء عنوة. الباقي كله كذب وسوء  نية”.
عبر هذه الأسطر، افتتح المؤرخ الفرنسي، من أصول جزائرية، بنجامين ستورا كتابه الجديد حول “حرب الجزائر بعيون جزائرية”، الذي صدر مؤخرا عن دار “دونويل” الفرنسية. كتاب تطرق فيه إلى أحداث تلك الفترة بنظرة مختلفة، حتى وإن استند إلى وثائق وشهادات تنشر لأول مرة، وهي الوسيلة العلمية في السرد التاريخي، إلا أن غرضه لم يكن لإعطاء نفس جديد للبحث التاريخي بل مجرد “نظرة جديدة” أو “مختلفة” عن حرب الجزائر، وهو منهج نادرا ما يسلكه المؤرخون. وربما أراد المؤرخ من خلال فكرة تبادل النظرات هذه تلخيص مقولة مولود فرعون بخصوص علاقة شعبين وصفها بالحميمية قائلا: إنه “لا يمكننا الحديث عن الطلاق بين الشعبين، لأن الطلاق يفترض الزواج، إنها علاقة حميمية كانت متواجدة بقوة دون أن يسمح كل طرف التعارف فيما بينهما”.
“حرب الجزائر بعيون جزائرية”، أرادها بنجامين ستورا قراءة جديدة لـ”فهم” التاريخ، ومحاولة إيجاد أجوبة عن أسباب صعوبة الحديث عن هذه الحرب العزيزة عند كلا الشعبين.