إميلي حصروتي
جلست بتبلد أمام شاشة التلفزيون البريطاني بينما كانت صور المواطن المصري حماده صادر الذي عرّاه رجال الشرطة المصرية و قاموا بسحله تملأ الشاشة، حاولت أن أصعق أو أغضب، ركّزت على وجه المذيعة البريطانية المتقزز و هي تعلق على الخبر لأستعير بعض انفعال أو رثاء… و لكن شيئا من ذلك لم يحصل. لم أشعر بشيء. بالنهاية هم مصريون يعذبون مصرياً، كالسوريين الذين يعذبون السوريين أو البحرينيين الذين يعذبون بحرينيين.
مصر مجدداً، من ميدان التحرير، جمع متكالب على سيدة ينتهك جسدها تحرشا و اغتصابا فيما الشاشة تتابع ضخ أدنى حركة لهذا المدّ البشري الذي فقد إنسانيته و أفلت العقال لغرائزه أمام العالم أجمع. عادت الى ذهني أخبار اغتصاب العراقيات في السجون العراقية أيام الاحتلال الأميركي ثم تذكرت أنني قرأت منذ يومين تقريراً عن السجينات العراقيات المغتصبات في السجون العراقية على أيدي عراقيين. لا جديد، الضحية و الجلاد نسيج واحد، دم واحد، عار واحد.
شخصيا، لم أعد أطيق أن أذكر سوريا عندما يجول في خاطري موضوع العنف الممنهج، لقد توقفت عن مشاهدة مقاطع اليوتيوب التي يقذفها الثوار لصور الأموات، شبعت من مناظر الأطفال المكدسة كأكياس القطن في موسم الحصاد، لا أريد أن أرى طفلا قضى في حضن أمه أو أرتال رجال قيدت أيديهم و اصطفوا أموات.
باسم الحرية و باسم الأمن يخوض القطر العربي المنتفض حرب وقودها الغريزة و العقيدة و السلطة. كيف وصل أحفاد ابن خلدون و المتنبي ممن ساهموا في بناء المخزون العالمي للثقافة و العلوم، كيف وصلوا الى هذا الدرك من الهمجية و الرخص في التعاطي مع كل المعاني السامية للأديان السماوية التي يعتنقونها؟ لا أدري و لست بصدد إعداد دراسة عن هذا الأمر. أخاف بينما أكتب هذه السطور القليلة و المقتضبة أن يكون الولد المصاب بالسرطان و الذي تعتقله السلطات المصرية حالياً مانعةً عنه العلاج و الدواء قد قضى. أخاف أن تكون طفلة في مكان ما داخل مخيم للاجئين قد استيقظت جائعة و لم تجد والدتها ما تسكتها به غير لطمة على الوجه الغضّ. أخاف أن يستيقظ أخ أو أب مسعور ليغسل شرفه بعدما رأى العالم صور جسد ابنته تمزقه ذئاب جائعة للعار. لا مجال للدراسات أو حتى للتفجع، فبيما أكتب هذه السطور تكرّ في مكان ما أرقام جديده للقتلى و أعداد جديده لمن سجنوا ظلما و توثيقا محدّثا لكل اغتصاب و تنكيل و تعذيب.
ما خطب العالم مع الأرقام؟ لما يرتدي الرقم تلك الأهمية؟ أن يعرى رجل و يسحل و يضرب أمام أطفاله و شاشات العالم هو سحل لـ70 مليون شخص و تعريتهم. تعذيب أب و تهديده باغتصاب اخواته أو بناته أو زوجه هو تركيع لأمة كاملة أمام انفضاض أدنى حق بالأمان. عندما تقطع الأجزاء الحميمة لطفل و يقتل، عندما يقذف محقق مسعور بشابة إلى الحائط و تهبط مضرجة بدمائها تتمرغ إنسانية كل واحد منا بوحل الصمت المريب و التبلد القاتل. لا معنى للأرقام اليوم لأن داخل كل عربي ميتاً لم يغسل و لم يكفن، يتحلل ببطئ و تنبئك رائحته بأنك صفر ينتظر اللحاق بعدد ما.