باريس ــ «أخبار بووم»
أخرجت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، إيرينا بوكوفا، «المدفعية الإعلامية الثقيلة» للرد على وقف الولايات المتحدة دفع ٦٠ مليون دولار، مهددة بخفض قدرات عمل المنظمة الدولية. إلا أنها استعملت أيضاً «سلاح التودد الخفيف»، فذكرت الجهد الذي تقوم به المنظمة بنشر «ثقافة المحرقة» والمجهود الذي تقوم به لمنع محو المحرقة من الذاكرة الجماعية للإنسانية.
وقد جاء في بيان بوكوفا، الذي وزعته بعدما تبين «جدية وقف المساعدات»، التشديد على «الأزمة الاقتصادية» للتذكير بتراجع قدرات الدول الأوروبية على دعم اليونسكو إلى جانب الحديث عن «التحولات الاجتماعية والاستقرار العالمي»، قاصدة «الربيع العربي» دون أن تقوله، وجعلت كل عمل المنظمة وكأنه في خدمة الولايات المتحدة بالتنويه بأنها «قيم الديموقراطية /التي/ هي في صلب مصالح الولايات المتحدة الأميركية».
وبعد أن بررت حجب المساهمة المالية بالتشريعات الأميركية لرفع العتب عن الإدارة وخصوصاً الرئيس باراك حسين أوباما، أشارت إلى أن هذا الحجب «سيضعف بالتأكيد قوة اليونسكو وقدرتها على بناء مجتمعات حرة ومنفتحة»، وهو ما يحاكي الرأي العام الأميركي وكأن بيان المديرة موجه للشعب الأميركي فقط.
«اليونسكو في خدمة الولايات المتحدة» جاء في شكل سيمائي لاشعوري في كل مقطع من مقاطع البيان، فالمساهمات المالية هي لـ «تطوير ودعم وسائل الإعلام الحرة والقادرة على التنافس، في العراق وتونس ومص وفي أفغانستان»، لأنه كما ذكرت «يساعد دعم الولايات المتحدة اليونسكو في تعليم آلاف ضباط الشرطة القراءة والكتابة» وكأن هذه الدول هي دول محتلة وخاضعة لسيادة واشنطن.
وكذلك تساعد «برامج اليونسكو لمحو الأمية» في إعطاء الناس «التفكير النقدي والثقة اللذين يحتاجونهما لمحاربة التطرف العنيف»، أي السلفية والإهاب وهي في خط سياسة جورج بوش ما بعد ٩/١١ ويصب في سياق جعل «التوجه الديموقراطي للربيع العربي قابلا للاستدامة»، لهذا فقط تقوم اليونسكو «بتدريب الصحافيين وبمتابعة الأعمال الانتخابية».
وبعد هذا التحضير الذي يمكن لأي جهة أن تفسره لمصلحتها رغم أنه موجه فقط للولايات المتحدة، تخرج اللطافة لتشدد على أن «اليونسكو هي الوكالة الوحيدة في الأمم المتحدة التي لديها مسؤولية لنشر التعليم عن محرقة اليهود في جميع أنحاء العالم»، ولتقول إن «استخدام التمويل الذي تمنحه الولايات المتحدة واسرائيل» هو لتطوير «مناهج تعليمية لضمان عدم نسيان محرقة اليهود».
لا تكتفي بوكوفا بذلك بل تذكر بأنها «في شباط/فبراير الماضي، ترأستُ وفدا لزيارة تاريخية إلى معتقل أوشفيتز مع أكثر من 150 زعيما سياسيا ودينيا، معظمهم من الدول العربية والمسلمة».
بالطبع جاء الحديث عن المحرقة في وسط نص البيان محاطاً قبله بالحديث عن الحريات وبعده بالتذكير بدور اليونسكو في «الجهود العالمية الرامية إلى توسيع نظام الإنذار المبكر ضد أمواج التسونامي». قبل أن تعود إلى «بيت القصيد»، كما قال دبلوماسي عربي لـ«أخبار بووم»، إلى «الشرق الأوسط»، مذكرة ببرنامج «سيزامي» (سمسم) الذي يسمح بتحقيق بحوث عالية المستوى و«بناء جسور علمية وثقافية بين البلدان المجاورة، ولاسيما إسرائيل ومصر».
وقد انتقدت مجموعات مؤيدة لإسرائيل ما سمته «الإسفاف» في طريقة عرض مسألة المحرقة وكأن «إسرائيل تدفع فقط للتسويق للمحرقة» وهو ما يزيد من «عزلتها على الساحة الدولية وينتقص من صورتها كداعمة للثقافة والتربية»، وهي مهمات اليونسكو. أما المجموعات «الأخرى» وخصوصاً بين عدد من ممثلي الدول العربية فقد رأوا أن بوكوفا «انحنت كثيراً» ولم تشدد على أن واشنطن تعطي صورة بشعة للعملية التصويت واستخفافاً بأصوات الدول الأخرى الـ ١٠٧. وقال دبلوماسي عربي لـ«أخبار بووم» بشكل سؤال موجه للدول العربية: «٦٠ مليوناً يعادل كم برميل نفط حسب أسعار اليوم؟».